ربما لا تعرفونني باسمي الكامل. قد تشكّون بهويّتي إن قلت لكم أنا شربل ط. بالتأكيد ستنكشف هويّتي بالكامل إن قلت أنا «وحش العاقورة»، أو «سفّاح المجدل»، أو «جزّار حقل الكرز». فالأكيد أني رفعت اسم العاقورة عالياً. وضعت اسم المجدل على خارطة العيون والاهتمام والمتابعة. حوّلت حقل الكرز إلى حديث البلد.
سأبدأ من نفسي، قبل أن أروي قصتي مع تعذيبهم وخطفهم. هم؟ مجرّد عمال زراعيين كانوا يعملون لصالحي في البلدة. اتهمتهم بالسرقة، فعذبتهم، وصورت حفلة التعذيب. ربّما شاهدتم بعض المقاطع من فيديوهاتي. لكن لا بدّ أن أشرح لكم خلفية هذه القصة.
أنا المدعوّ شربل طربيه، عمري 27 عاماً.
من بلدة المجدل في العاقورة- جبيل.
أنا «الذكر» الوحيد في العائلة بعد رحيل والدنا عن هذه الدنيا. ورثت عنه مهنة ضمان الأراضي الزراعية. وضعُنا الاقتصادي صعب، كسائر اللبنانيين. وأزمتنا، نحن المزارعين وضامني الأراضي، مضاعفة. فارتفع سعر كل المواد، وكذلك أجرة هؤلاء العمال. وكما تدركون، لا تصريف للبضائع.
أنا المدعو شربل طربيه، تَعِبت على عمر مبكر.
أنا المدعوّ شربل طربيه، وما فعلتُه ليس طبقيّاً.
أنا ضامن أراضٍ.
مجرّد مستثمر، أتعب مع العمال، أعيش مع العمّال، أؤلئك العمّال. أنظّم عملهم يوميًا، وأتواصل وأنسّق بين مالك الأرض والتجار. أنهرهم لينهوا زراعة البستان أو قطف ثماره أو توضيبها. ليس لديّ خيار. فأنا المدعو شربل طربيه لستُ إقطاعياً، ولم أفعل ما فعلته من منطلق طبقيّ. لم أفعل ما فعلته لأنّي أحتقر هؤلاء العمال وفقرهم وعَوَزهم. فأنا منهم. من دونهم لا سلطة لي على أحد. من دونهم لا يمكنني استعباد أحد. من دونهم أنا لا شيء. أنا ضحية الطبقية.
فأسقِطوا صفة الطبقيّة عن فعلتي.
أنا المدعوّ شربل طربيه، وما فعلتُه ليس عنصريّةً.
لم أفرّق بين جنسيّاتهم.
أنا ضربت وعذّبت العمال في حقل الكرز في المجدل. لكن لم أفرّق بين جنسيّاتهم. صعقتُهم بالكهرباء وأذقتُهم طعم الكرباج ونربيش المياه البلاستيكي، وهدّدتهم بالسكاكين. لكن لم أفرّق بين جنسيّاتهم. الطفل الذي ركلته على رأسه، لم أسأله عن جنسيّته. وضعت البطاطا في أفواههم، جميعاً، حتى لا أسمع أنينهم وأصواتهم المزعجة. فلم أسمع لهجاتهم ولم أفرّق بين جنسيّاتهم. عاملتُهم سواسية، لبنانيين وسوريين من دون تفرقة. إذا كان ضحية للعنصرية، فهو اللبناني في بلده.
فأسقِطوا صفة العنصرية عن جُرمي.
أنا المدعوّ شربل طربيه، وما فعلتُه ليس طائفيّاً.
لا تهمّني طوائفهم.
والله، أقسم بما تشاؤون، لم آخذ في الاعتبار أنّ الضحايا الذين عذبّتهم من دين أو طائفة أو مذهب آخر. صحيح أنّ اسمي شربل ويدلّ ذلك على طائفتي، وصحيح أنهم جميعاً «محمودات»، لكن ذلك لم يكن من ضمن اعتباراتي لتنفيذ الجريمة. فلا تُضخّموا الأمور، ولا تُعطوا الموضوع أكثر من حجمه، ولا تضيفوا اعتبارات طائفية ومذهبية يمكن أن تؤدّي إلى الفتنة والاقتتال الأهلي. الطائفي هو من يرى بعدًا طائفيا بما فعلته.
أسقطوا صفة الطائفية عن جُرمي.
أنا المدعوّ شربل طربيه، ولم أفعل الكثير أصلًا.
عاين الطبيب الشرعي الضحايا، وقدّم رأياً طبياً بالكدمات والجروح التي كحّلت أجسادهم. وأشارت التقارير الطبية إلى حاجة الضحايا للتعطيل بين 5 إلى 7 أيام في أقسى تقدير، وهذا ليس بالأمر الجلل. فلا تُعظّموا الأمور. لم يتعرّض العمال لجروح بليغة، ولا لعاهات دائمة، وكان بالإمكان أن ارتكب المزيد. لكني لم أفعل. فلماذا كل هذه الضجة؟ لماذا هذا الملف؟
العنف متشعّب في مجتمعنا، أليس هذا ما تكتبونه. فماذا فعلت؟
أنا المدعوّ شربل طربيه، وفي التوثيق تخفيف من الجرم.
رجاءً، لا تفهموا من تصوير حلفة الضرب أنها تهديدٌ أو شماتةٌ أو تعميمٌ للكراهية وحضٌّ على العنف.
المجرم الحقيقي يخفي بصماته في جريمته، ويمحو الأدلّة. فهل كشفنا جريمة واحدة في لبنان؟ وأنا لست بمجرم. فتخيّلوا لو ارتكبت كل هذا من دون تصويره، هل كان أحد ليثبت ما فعلته؟ هل كان أحد لينتفض على الفيسبوك؟ هل كان الدرك ليتحرّك؟ كما قال أحد أقاربي، أنا حمار، أنا غشيم، أنا أهبل. دفعني غيظي إلى التوثيق والتشهير والتباهي بفعلتي. أنا شاب عمره 27 عامًا وأخطأت، تماماً كالشاب الذي استحلى فتاةً فاغتصبها. مثل رياض ورفاقه الذين راقت لهم أموالنا، فسرقوها. هم لم يصوّروا جرائمهم، أنا فعلت.
وفي توثيق الجريمة أسباب تخفيفية للتغاضي عنها. أليس هكذا؟
أنا المدعوّ شربل طربيه، أخطأتُ فهل تعدمونني؟
حتى المجرم يستأهل فرصة ثانية.
طواعية، ودون مواربة، سلّمت نفسي إلى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في اليوم التالي لانتشار الفيديو الذي وثّقت به التعذيب. تلقّيت رسائل تهديد، بعضها وصل حتّى إلى دارنا في المجدل. أطفأت هاتفي، بعد أن خرقوا خصوصيّتي ونشروا رقم تلفوني. هربت من القرية وسلّمت نفسي. هدّدوني بقطع رأسي. أنا تحت سقف القانون، الآن، بعد أن أصبحت مجرماً بنظر القانون. السقف نفسه، الذي تخطيّته بكيلومترات حين عذّبت هؤلاء المساكين وهدّدتهم بالقتل. لكن أليس من حقي أن أحظى بمحاكمة عادلة، أليس من حقي أن أحصل على فرصة ثانية؟ ألست إنساناً؟
هل تريدون إعدامي؟
أنا المدعوّ شربل طربيه، وأنا مجرم من لبنان
أنا المدعو شربل طربيه، ارتكبت هذه الجريمة، بحجة فقدان نظّارات و100 مليون ليرة، بغض النظر إن صدّقتم هذا التبرير أم لا. فهمتم ذلك على أنه جريمة عنصرية وطبقية وطائفية، هذا شأنكم وليس شأني. ربما أخطأت، لكن ثمة من يقول إنّي قمت بعمل وطني. ثمّة من يكرّس أنّ العنصريّة ليست جريمة، وأنّ الطائفيّة وضوح وواقعية، وأنّ الطبقيّة فعل طبيعي. فنحن عنصريون بلبنانيّتنا، ومشرقيّون بتكويننا، وعالميّون بانتشارنا.
أنا المدعوّ شربل طربيه، وأنا مجرم من هنا.