تحليل علاء عبد الفتاح
ريم منصور

إضراب علاء عبد الفتّاح: لنتوقّع الأسوأ مع نظامٍ كهذا

8 تشرين الثاني 2022

يُعوّل المتفائلون والمتفائلات على التوقيت الحالي لتصعيد حملة الإفراج عن علاء عبد الفتاح، من أجل إحراج الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظامه أمام العالم. وَقَّت علاء، المعروف بذكائه وبذهنه المتّقد، معركته الأخيرة لاسترداد حريته بعد نحو عشر سنوات من القهر وتجدّده، مع انعقاد قمة المناخ بدورتها السابعة والعشرين في شرم الشيخ.

هذه الاستضافة بحد ذاتها مهزلة، إذ كيف يجتمع العالم لإنقاذ الكوكب في دولةٍ تقهر شعبها وتقتلهم بشتّى الطرق منذ قيامها في تموز/ يوليو 2013؟ ماذا يعني البحث في إنقاذ الحياة على الكوكب، على بعد كيلومترات من آلاف الذين يُسلبون حياتهم وينكّل بهم كل يوم على مدار تسع سنين بسبب رأيٍ على وسائل التواصل الاجتماعي؟

لا شك أن التوقيت مهمّ بالفعل. يكفي انشغال وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية بعلاء وسؤال المسؤولين المصريين في شرم الشيخ عنه. لا بدّ أن السيسي ورجاله في استياءٍ فائق الآن. مع ذلك، سيُصرّون على التصرف ببرود والهروب من الإجابة الفعلية على كل الأسئلة المتعلقة بعلاء، لأنهم يرفضون منطق «لَيّ الدراع». أو كما يقولونها بتلك الرخاوة المفتعلة التي يتناقلها الناس عنهم هذه الأيام «محدّش يلوي دراع مصر». كما أنّه، على الرغم من «زنقتهم» وخوفهم أمام عيون العالم، ما يجب ألّا يغيب عنّا هو أننا نتعامل مع جهة فاقدة للمنطق إلى حدٍّ بعيد، إذ قلّما تصرّفت في السابق بشكلٍ متوَقّع أو وفقاً لحسابات منطقية.

ننسى أحياناً أن هذا نظامٌ أقام حكمه على مجزرة فضّ اعتصام رابعة العدوية في 14 آب 2014 التي راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل وفق تقديرات «هيومن رايتس ووتش» من دون أن يتهدّد وجوده بذلك أو يتأثر.
بالإضافة إلى هذه البداية المرعبة، تخلّل عهد السيسي سقوط مئات الضحايا برصاص قوات الأمن، فقط لأنهم شاركوا في تظاهرة أو حتى في إحياء ذكرى ثورة 25 يناير، بالإضافة إلى الحادثة الشهيرة لمقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني على يد الأمن المصري. 
والأهمّ في السياق المتعلّق بحياة علاء عبد الفتاح، هو عدد السجناء الذين ماتوا في السجون في السنوات الأخيرة بسبب الإهمال الطبي. بدءاً من الرئيس المخلوع محمد مرسي الذي توفّي في سجن طرة سيئ السمعة في حزيران 2019، مروراً بأكثر من 20 حالة وفاة موثّقة حتى عام 2020، داخل السجون المصرية، بسبب ازدراء النظام حياة هؤلاء. من دون أن ننسى وفاة المخرج شادي حبش (مواليد 1995) في السجن نفسه في أيار 2020. السبب الذي قدّمته النيابة العامة في حينه أنه «مزج الكحول الخاص بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا بمشروب غازي، لمحاكاة أثر الخمر». طبعاً حجة كهذه للإعلام والرأي العام المصريَّين، تمنح صك براءة للحكومة و«شرعيةً» ما لمقتل حبش في ظروف يصعب التحقق منها.

هذه ليست سوى معطيات قليلة لاقترافات نظام السيسي العسكري في السنوات الماضية.

أرواح الآلاف أُزهقَت من دون أن يحاسَب أيٌّ كان على ذلك. بطشٌ وغيٌّ وتعنّت ولّفها السيسي ضمن السردية الوطنية الركيكة إياها عن الأمان والتصدّي لـ«المؤامرات الخارجية». مع أنه شبه مهووس بالاستعراض أمام الخارج نفسه، مرةً عبر احتفالات فرعونية، ومرةً عبر عاصمة إدارية جديدة يظنّ أنها ستخلّد اسمه، ومرةً عبر استضافة قمة المناخ (بالطبع من دون أن ننسى مسلسل الاختيار الكاريكاتوري).

في ظلّ هذا الواقع، ما الذي يمنع أن يتجاهل السيسي ورجاله تماماً الحالة الصحّية لعلاء عبد الفتاح وأن يتركوه لمصيره في السجن حتى ولو كان هذا المصير هو الموت؟ ما الذي يمنع هذا النظام الذي أرسى حكمه على جثث الكثيرين، من أن يضحّي بحياة شخصٍ آخر في محبسه، وأن يقول فيما بعد إنه «هو اللي انتحر إحنا مالنا؟». ثم يتولّى إعلامُه ولجانُه الإلكترونية من «المواطنين الشرفاء» دفّة التعريص المعتاد للتصدّي لخونة أتباع الخارج (بريطانيا هذه المرّة؟). هذا هو السيناريو الأسوأ الذي نتمنّى ألا يحدث.

بالإضافة إلى السيناريو الأسوأ هذا، هناك أيضاً سيناريو التغذية القسرية الذي يرجّح كثيرون لجوء النظام إليه لإبقاء علاء قيد الحياة وتجنّب الفضيحة، على الأقل حتى انتهاء القمة. وهو احتمال غير مستبعد، إذ إن ما من شيءٍ نعرفه عن أخلاقيات حاكم مصر وسجونه ينحي بهذه الفرضية جانباً.
قد يجبرون علاء على الغذاء عبر تعليق المحاليل بالقوة، ما يذكّر بأحطّ أساليب التعذيب الموثّقة في السجون الإسرائيلية وفي سجن غوانتنامو.

أما الحديث عن دعواتٍ للتحرك في 11/11 والتعويل على تحرّك داخلي متزامن، فيبدو أنه بدون أثرٍ فعليّ إلا في أوساط الإخوان المسلمين في الخارج. أمّا القوى السياسية الأخرى في الداخل، والناس عموماً، فيعرفون جيّداً كلفة المشاركة في أي تحرّك شعبي داخلي الآن، خصوصاً في ظلّ تشدّد الإجراءات الأمنية في القاهرة هذه الأيام، والحديث عن العودة لتفتيش الهواتف في بعض المناطق في وسط القاهرة. ومن المفيد هنا التذكير، بأن التوقيف الأخير لعلاء في أيلول 2020، جاء ضمن التشدّد الأمني الذي نتج عن دعواتٍ للتظاهر أطلقها المقاول محمد علي من إسبانيا للإطاحة بالسيسي.

لنتوقّع الأسوأ مع هذا النظام، من دون أن نخسر الأمل باسترجاع علاء لحياته وحريته.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل تدمّر مبنى المنشية الأثري في بعلبك
جماهير «باريس سان جيرمان»: الحريّة لفلسطين
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024