تحذير: يحتوي على تعابير قاسية تتعلّق بـالاعتداء الجنسي والتحرّش والاغتصاب.
اعتقلت شرطة ميامي المغتصب مروان حبيب الخميس الفائت، من شقّته بتهمة الاعتداء الجنسي والسرقة والضرب، بعدما تحرّش بسائحة في غرفتها الفندقيّة.
مجرمٌ هناك وضيفٌ إعلاميٌّ هنا.
سجينٌ هناك وحرٌّ طليقٌ هنا.
عشرات الضحايا هناك وأكثر من خمسين ضحيّة هنا.
لطالما استصعبتُ أن أكتب عن التحرّش والاغتصاب، لما تحمله القضيّة من أعباء ثقيلة. إلّا أنَّ خبر الاعتقال بعثَ في نفسي أملاً لم أشعر به منذ فترةٍ طويلة. لعلَّ العدالة ممكنة، حتى ولو تحقّقت بعيدًا.
كيف تلقّت الناجيات هذا الخبر؟ هل شعرتنَّ بالفرح أم بالغضب؟ أم بالاثنين معًا؟ هل تمكّنتنَّ من النوم الآن، أم لا تزال تراودكنَّ الكوابيس؟ هل أنتنَّ على ما يرام؟
العدالة، هنا وهناك
لم يُسجن مروان حبيب إلّا بعدما تحرّش بمزيدٍ من النساء، ولكن هذه المرّة في قارةٍ أخرى. لم يُسجن بعدما فضحته أكثر من 50 شابّة هنا، بل سُجن في قارّةٍ أخرى، حيث جُرِّد من وصوله السياسي الذي سهّل له طريق الهروب من العقاب. إلّا أنَّ العدالة تحقّقت، حتى ولو في قارةٍ أخرى.
لن يوقف اعتقال مروان حبيب ظاهرة التحرّش، لا هنا ولا هناك، إلّا أنّه حبس مغتصبًا متسلساً أخلى القضاء سبيله وفُتح له الهواء ليبرّئ نفسه هنا. إنّه انتصارٌ ليس فقط للناجيات هناك، بل للناجيات هنا أيضًا.
قد لا ينصف الاعتقال جميع الناجيات هنا، قد لا ينتشلهنَّ من عتمتهنّ، إلّا أنّه قد يسمح لهنَّ في التفتّل في شوراع بيروت من دون أن يلاحقهنَّ شبح مروان، أو مروان نفسه.
لن يعيد الاعتقال إحياء الوزن الميّت الذي تحمله الناجيات كلَّ يوم، لن يعود بالزمن ويلغي عمل التحرّش أو الاغتصاب، لن يحرّر ذاكراتهنَّ من التروما، إلّا أنّه قد يساعدهنَّ على تصديق أنفسهنَّ كما يصدقنَ بعضهنَّ بعضًا.
لن يهوّن الاعتقال عليهنّ حياتهنّ التي خرّبها مروان، ولن يصلّح علاقتهنَّ مع أجسادهنّ، ولكنّه قد يساعدهنّ على التوقّف عن لوم أنفسهنّ.
عدالة مجتزأة
لم نكن نعتقد أنَّ هروب المغتصب من المحاسبة هنا قد يرسم طريقًا للعدالة في محكمةٍ أخرى. اُعتقل مروان وباتت يداه القذرتان مكبّلةً في زنزانةٍ بعيدة، حيث لا يستطيع التطاول على الفتيات والنساء. تبقى هذه العدالة مجتزأة، أوّلاً لأنّها لم تستند إلى شهادات الضحايا هنا، وثانيًا لأنّها لن تردّ غيره من المعتدين هنا عن التحرّش.
قد تكون عدالةً مجتزأة، لأنّها لن تعيد إلى الناجيات ما سلبه مروان منهنَّ، لأنَّ العدالة الحقيقة هي ألّا نتعرّض للتحرّش والاعتداء الجنسي والاغتصاب. إنّه انتصار، ولكنّه انتصارٌ محزنٌ قليلاً. هل علينا أن ننتظر هروب المتحرّشين والمغتصبين حتّى ينالوا عقابهم؟ هل علينا أن ننتظر تصديق المحاكم الخارجية ضحيةً جديدة؟ متى تستمعون إلينا؟ متى تصدّقوننا؟
أسئلة التحرّش
يطرح هذا الانتصار أسئلةً عديدة يتوجّب علينا كنسويّات أن نناقشها، ربّما ليس الآن، لأنّنا تعبنا لنرى مغتصبًا داخل الزنزانة، فيحقُّ لنا أن نرتاح قليلاً. لكنّها أسئلةٌ مهمّة قد تساعدنا على الوصول إلى العدالة: أيّ نوعٍ من العدالة نريد، وكيف ننتزع عدالتنا بأيدينا؟ كيف نحاسب ونعاقب من دون أن نعيد إنتاج العنف؟ وكيف نتخلّص من ثقافة الاغتصاب التي تنوي أن تقتلنا؟ كيف نتخيّل مجتمعًا نسويًّا؟
كيف نهدم النظام البطريركي الذكوري على رؤوس المغتصبين؟