نقد الحرب على لبنان
هلال شومان

الزمن الإسرائيلي

8 تشرين الأول 2024

يحار المرء ماذا يكتب تحت وطأة الدم المسفوك في الجنوب والبقاع والضاحية والمناطق اللبنانية. كيف يمكن الكتابة عن لحظة الخطر التي يعيشها الاجتماع اللبناني؟ ما معنى الكتابة الآن، وما معنى الصمت؟

في الأيام القليلة الماضية، ارتكز الكلام المرسَل في الشبكات الاجتماعية والشاشات على نظرة نَفَقِيَّة، انهمكت في نقاشات تبرير وذمّ الشماتة، أو في التأكيد على صحة التحذيرات السابقة من تبعات جبهة الإسناد. ومن جديد، تمظهر فشل نخب لبنانية وسورية في شرح وتفنيد الكارثة و«تصويب» هذا الجو الاستهلاكي الصفري المجترّ. 

هذا الإغراق في مواقف ماضوية في زمن بالغ الخطورة يجبرك أن تكتب ولو مستعجلًا على وقع أحداث متسارعة تسبق الجميع. 

لقد سلكت الممانعة طريقها إلى زمن جديد. انقسمت إلى ممانعة تعيد إنتاج ممانعتها عن كل شيء، ومقاومة «متروكة». فبينما يصدِّر الموظف المسمى بشار الأسد بيانًا تافهًا مثله، ولا دهشة، يبيت أهالينا من الجنوب والبقاع والضاحية في الشوارع أو يقعون تحت رحمة تجار الشقق (والفرش!) مع غياب كامل لما تبقى من الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية التي تكتفي بفتح المدارس وإحصاء الشهداء والجرحى.

يبدو الحديث الآن عن ضرورة استمرار أو إيقاف جبهة الإسناد أو نقاش الذرائع من الماضي البعيد الذي تخطاه العدو الإسرائيلي نفسه عبر ضرباته للصف الأول من قادة الحزب في الضاحية وإيغاله في التهجير وبثه لخرائط الموت وتنفيذها في الأحياء السكنية. نحن أمام حرب يبدو أنها طويلة المدى لم يمكن لها أن تحدث على النحو الذي نتابعه لولا إفلات إسرائيل المتكرر من العقاب في غزة وتخطيها لكل الممنوعات الدولية السابقة.

الإفلات المستمر هذا حوّل الجريمة الإسرائيلية إلى جريمة ممتدّة، إلى إبادة أكملت محميةً بعجز دبلوماسي بمفاهيم زمن سابق يبدو أنَّنا تجاوزناه. فالعالم برمته اليوم يعيش زمنًا إسرائيليًا، ولا مفر من ضرورة البدء في الحديث عن منعه.

لكنَّ النخبة اللبنانية من سياسيين ومثقفين تعيش في الماضي، في وهم اقتناص الفرصة، وهو وهمٌ جرَّ البلد في السابق إلى حروب أهلية صغيرة وكبيرة. 

حتى الكلام الثقافوي عن ضرورة الحديث في السياسة يأتي من منطق بائت يتطرق إلى الحريَّات من مدخل اجترار مقولة أن الصوت يجب أن يعلو فوق صوت المعركة. 

ومشكلة هذا الكلام الأساسية أنه يتكئ على ما هو غير متوفّر. لقد انتهت فرصة التحرّر قبل سنوات عشر، وما نراه الآن هو مجرد تمثُّل آخر أكثر عنفًا ليس فقط لإجهاض تلك الفرصة، بل لفرض زمن جديد في المنطقة ليس فيه لا حريات ولا ممارسة ديموقراطية من أي نوع. 

وآن لنا أن نتجاوز ذلك الزمن ونستعدّ لمجابهة مشروع استبدادي يحاول تشكيل المنطقة فوق جثث أهلها، ويستبدل قيم الديموقراطية بقيم النجاح، ويستثمر في انهيار دول المشرق والمغرب العربي. 

بمعنى آخر، لقد انتهى الربيع العربي قبل سنوات، وانتهى البلد على ما كان عليه فعليًا منذ سنوات أربع عندما هزَّ انفجار ضخم أرجاء المدينة، وتعاون الجميع في النظام على وأد الانتفاضة الشعبية اللبنانية بالاستهداف والاستيلاء عليها عبر الاستفادة من قصر نظر المشاركين الذين استعلوا على جماعة بأكملها وأعادوا إنتاج منطق النظام. لقد أجهضت الفرصة من داخل منطق الجمهورية الجثة.

وبمنطق الجمهورية الجثة، فإنَّ الحديث عن الضاحية بوصفها معقلًا للحزب فقط هو خطاب خطير، وتفوقه خطورة هذه السهولة في اعتماد خطاب «الدروع البشرية» أو التعامل الخجول مع الأحداث الذي يفرق ضمنيًا بين «مدنيين محايدين» يعيشون خارج الضاحية والجنوب والبقاع و«مدنيين غير محايدين» ينتمون لبيئة الحزب.

وهذا ما تقوم الضربات الإسرائيلية بتأطيره والاستثمار فيه في استهدافها لمبانٍ يقطنها نازحون في مناطق عدة. إنها رسالة إسرائيلية للداخل اللبناني تدفعه باتجاه تهجير جماعاتي. 

أن يصير وليد جنبلاط ونبيه بري ونجيب ميقاتي هم دعاة المنطق العقلاني في هذه اللحظة الخطرة بينما يعجز من بقي من نخبة البلد عن صياغة خطاب يحمي الناس والبلد ويحاول أن يتجاوز، ولو مرحليًا، الخلافات السابقة، على عنفها التاريخي المعروف، ليس أمرًا مقلقًا فحسب، بل مفجع.

والكل يعرف أنَّ الخلافات السياسية في البلد أعقد من أن يجبَّها خطاب وحدة وطنية، لكنَّ الفرصة الوحيدة المطلوب اقتناصها حاليًا هي حماية ما تبقى من الاجتماع اللبناني، ومعه البلد. هذا ما يقوم به شباب القرى والمدينة على الخطوط الأمامية، فهل من يتجاوز منطق الجمهورية الجثة ولو مرحليًا؟

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فيدان والشرع عن قسد: لا مكان للسلاح خارج الدولة
تخطيط قيمة حياة فتاة عشرينيّة مقيمة في بدارو
وزير الدفاع الإسرائيلي يزور جنود الاحتلال في جنوب لبنان
وليد جنبلاط في سوريا
جيش الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان ويهدّد بإخلائه
الاحتلال يجرف بساتين الليمون في الناقورة