في صباح 12 كانون الأول 2005، قُتل الصحفي (والنائب) اللبناني جبران تويني، بعد ساعات قليلة من عودته إلى بلاده، في انفجار سيارة مفخّخة وهو في طريقه من منزله في بيت مري إلى مكتبه في وسط بيروت. كان تويني في الـ48 من عمره، وكان قد تلقّى معلوماتٍ تفيد بأنه من الآمن العودة من فرنسا، حيث نفى نفسه لفترة وجيزة بسبب مخاوف أمنية. كان تويني من أبرز منتقدي الاحتلال السوري للبنان، وهو الذي ساعد على إنهائه من خلال مشاركته في انتفاضة الاستقلال. ولم يتردّد تويني بعد انسحاب الجيش السوري في أواخر نيسان 2005 في انتقاد سلاح حزب الله في وقت لم يجرؤ سوى القليلون في البلاد على ذكر ترسانة الحزب الإيرانية. أصرّ تويني، رئيس تحرير جريدة «النهار»، على انتقاداته اللاذعة حتى بعد اغتيال سمير قصير وجورج حاوي، حتى لو كان يعني ذلك الموت من أجل هذا الموقف.
في صباح 12 كانون الأول 2020- بعد خمسة عشر عامًا بالضبط على اغتيال تويني في بيروت- شنقت الجمهورية الإسلامية الصحافي الإيراني روح الله زم بعد أن حكمت عليه بجريمة «الفساد في الأرض»، وهي تهمة غالبًا ما تستخدم في قضايا «محاولات لإطاحة بالنظام».
كان زم في الـ47 من عمره وقد تم استدراجه، قبل أشهر، إلى العراق من فرنسا، حيث كان قد نفى نفسه بعد مخاوف أمنية عانى منها في وطنه. اختطفه الحرس الثوري الإيراني في العراق بمساعدة المخابرات العراقية على ما يبدو، وأعيد قسرًا إلى إيران. كان زم منتقدًا صريحًا للجمهورية الإسلامية منذ الثورة الخضراء في عام 2009، عندما تمّ سجنه لفترة وجيزة. بعد هروبه إلى المنفى، صعّد زم هجومه ضد الجمهورية الإسلامية، حيث أسس موقع «آمد» الاخباري، وهو موقع إلكتروني وقناة إخبارية على تطبيق تيليغرام (تمّ حجبه في النهاية من قبل تيليغرام)، ما أدى إلى إتهامه من قبل النظام بإثارة تظاهرات عام 2017 في إيران. أما الموقع، «آمد»، فاسمه هو اختصار فارسي لثلات كلمات: المعرفة، والنضال، والديموقراطية؛ ومهمته «نشر الوعي والسعي لتحقيق العدالة».
رغم أن الرجلين (على الأرجح) لم يعرفا بعضهما بعضاً، فإنّه لو قال لي أحد في سنة 2005 أن شعار جريدة النهار أصبح عبارة مؤلفة من أي من هذه الكلمات- المعرفة، النضال، الديموقراطية، تحقيق العدالة- لما استغربت ذالك للحظة واحدة. حتى أن زم في مقابلة نادرة له مع صحيفة غربية سنة 2018 ذكّرني بتويني نفسه وهو يتكلم عن وطنه عندما قال:
هدفنا هو أن تتحوّل إيران إلى دولة ديمقراطية. هذا ما نناضل من أجله. ويستجيب النظام وفقًا لذلك: منذ أن بدأنا العمل قبل عامين ونصف، زُجّ ستة أشخاص من عائلتي في السجن لمدة أربعة إلى خمسة أشهر على الأقل… والدي يعمل في حكومة روحاني وهو موالٍ للنظام. لو بقيت في إيران، لكنت عشت حياة جيدة، لكنني أعطيت كل شيء للعمل من أجل إيران حرة.
سبب هذا التشابه، على ما أعتقد، هو أن الرجلين، كما كثير من النساء والرجال في هذا العالم، تشاركا مبادئ الحرية نفسها وحاربا النظام وآلات القتل الوحشية ذاتهما، ولو خاضا معاركهما في فترات زمنية مختلفة ومن أجل شعوب في بقعات جغرافية مختلفة. والنظام الذي حارباه ليس فقط النظام الإيراني (وامتداداته) ولو خاضا معاركهما المباشرة ضده، وإنما، كما قال تويني في مقابلة، الهدف هو كل الأنظمة التوتاليتارية، أنظمة الحزب الواحد، الأنظمة التي تقمع شعبها من أينما أتت، والتي اعتبر هذان الرجلان وكثر آخرون أنّ لا مكان لها في هذا العالم في المدى البعيد.
من هنا، وعلى الرغم من تشابه قصّتَيْ تويني وزم، وتشابُه الحركات التي كانا جزءًا منها، وتشابهها مع العديد من الحركات في المنطقة، المسألة التي ربما يجب الوقوف عندها هي عدم التقاء هؤلاء الأفراد وهذه الحركات. فانعزال هذه الحركات- حتى ابتعادها عن سابق تصميم- عن بعضها بعضاً يقف اليوم عائقًا أمام وصول الأيام التي نتغلّب فيها على هذه الأنظمة. قصة جبران تويني وقصة روح الله زم هي قصة واحدة، قصة شجاعة وتحدٍّ ستستمر في التكرار ما دام هناك أنظمة تلد سلطويّين يرغبون في فرض إرادتهم بالقوة على الناس، سلطويّين لا يعرفون التعامل مع الاختلاف والتنوع والكلمة الحرة، سلطويّين كلّما زاد قمعهم، زادت روح الإنسان بتوقها إلى الحرية.