قضية الأسبوع دولة حزب الله
ميغافون ㅤ

حزب الله والأهالي: «لماذا يكرهوننا»؟

12 آب 2023

من الكحّالة إلى شويّا، أو من خلدة إلى الطيونة، محطّات حضر فيها حزب الله في الشارع، بسلاحه، إمّا بين أهالي المنطقة، وإمّا بين مسلّحين آخرين. في جميع الحالات، كان الحضور صِدامياً في مناطق مختلفة من حيث تركيبتها الطائفيّة. حتّى بات يصحّ في حالة حزب الله طرح السؤال الشهير: «لماذا يكرهوننا؟». لكن، بدلاً من مواجهة هذا السؤال، يستمرّ حزب الله بسياسة الهروب إلى الأمام. 


الحزب في مواجهة الأهالي

تتشابه حادثة الكحّالة، أمس، مع حادثة شويّا 2021: حزب الله ينقل سلاحاً، يجد نفسه محاوطاً من أهالي المنطقة الذين يرفضون هذا الحضور. في شويّا، يُضاف إلى ذلك أنّ الحزب لم ينقل سلاحاً فحسب، بل أطلق عدداً من الصواريخ. تتشابه الحالتَان في أنّ أهالي المنطقتَين لم يرحّبوا بعناصر الحزب، بل حاولوا طردهم من المنطقة، ولو بالسلاح، كما فعل فادي بجّاني قبل أن يُقتَل.

في خلدة، يمكن تبسيط الصورة عبر نسبِها إلى إشكالات «تاريخية» أو «طائفية» بين العشائر والثنائي الشيعي. وفي الطيونة، بعد محاولات «قبع» القاضي طارق بيطار بالتهديد الكلامي، لجأ الحزب إلى التهديد بالفعل الذي أتى بمفعوله، إلّا أنّ الردّ الآنيّ كان أعنف ممّا توقّع الحزب.


التخوين لعدم مواجهة حقيقة العزلة

في جميع الحالات، يتعدّى المُشترَك بين هذه الأحداث حضور الحزب وصِدامية الحضور، ليطال تفسير الحزب لما حصل، بالسياسة وبخطابه الإعلامي، تحديداً في اعتباره كل هؤلاء من «صهاينة الداخل». في صباح اليوم التالي على إشكال الكحّالة، مثلاً، صمّم وطبع ووزّع مناصرو الحزب صوراً لفادي بجّاني، مرفقةً بعبارة «لكلّ عميل أحمد قصاص».

يكرّس تفاعُل حزب الله مع هذه الحوادث وفق هذا المنطق، انقساماً يجعل من الحزب ممثِّلاً لـ«الخير المطلق» في مواجهة معارضيه الذين لا يرى في تكاثرهم وتنوّعهم إلا العمالة لإسرائيل، أو «الشرّ المطلق». لكنّ المسألة ليست مسألة الخطأ أو الصواب في هذه الصورة، فالحزب الذي يُسرف في استخدامها يعرف تماماً أنّها صورة خاطئة، ويستخدمها تحديداً لأنّها خاطئة ولا يريد منها إلا اختزال معارضيه من جهة، وتجديد هيمنته عبر ثنائيّة «المقاومة/ العمالة»، من جهة أخرى، عبر شدّ عصب الجماهير وحصر المتردّدين بين البيئة الداعمة للحزب، كما لترهيب المُعارضين. 

تتفاقم المشكلة عندما لا يعود الحزب يرى أبعد من المقولة الشمولية التي خلقها بنفسه، مع علمه بالفروقات السياسية الموجودة بين مُعارضيه. فقد تخلّى حزب الله وأمينه العام، منذ زمن طويل، عن مهمّة «إقناع الرأي العام» واكتفى بمخاطبة جمهوره الخاص، وتطويع الجماهير الأخرى عبر الترغيب أو الترهيب. لذلك، لا يجد الحزب في أحداث كالكحالة وشبيهاتها إلا مناسبةً لتجديد الهيمنة التي تسبّبت أساساً بعزلته.


العنف كنتيجة للانسداد السياسي 

كذلك تخلّت «الجماهير الأخرى» عن مهمّة «تغيير» الحزب، واكتفت إمّا باستدراجه لمزيد من الترغيب وإمّا لمقاومة هيمنته أو الذهاب كلٌّ في طريقه. هكذا وجد التيار الوطني الحر في حادثة الكحالة مناسبةً لتذكير حزب الله بحاجته لـ«الغطاء» الذي يؤمّنه التيّار له، محاولاً أن يصرف الحادثة في بازار الانتخابات الرئاسيّة. فذكّر جبران باسيل المقاومةَ بأنّ مَن «يحمي لها ظهرها شعب مش شخص»، أي شعبيّة التيّار لا شخص سليمان فرنجيّة. أمّا حزب الكتائب، فرأى في الحادثة مناسبةً لنقل الحزب من حالة «النضال السياسي التقليدي» إلى «النضال الوجودي». وما لم يقله علناً القادة السياسيّون، تكفّل به الأهالي الذين عبّروا عبر تلفزيونات النقل المباشر عن تبنّيهم لخيار الانفصال أو التقسيم كحلّ للعيش في ظلّ حزب الله.

لجوء «الأهالي» إلى العنف للتصدّي لما يرونه تدخلًا لسلاح حزب الله في «مناطقهم» يأتي بعد سياق طويل من المحاولات السياسية لضبط امتداد حزب الله وسيطرته على السياسة اللبنانية. فالطريق البرلماني لم ينفع في إقناع حزب الله بحدود سيطرته، ولا الاعتراض المتزايد على هيمنته. استمرّ حزب الله بالمكابرة على هذا الاعتراض الداخلي، حتى بات ينفجر في الشارع بين حين وآخر. لكن حتّى هذا العنف الأهلي لن يقنع حزبًا لا يكفّ عن تذكير «شركائه بالوطن» بقدرته على حسم أيّ حرب بغضون ساعات. 


يؤكّد لنا حزب الله، بعد كل اشتباك دموي، أنّ للسياسة في لبنان حدوداً يرسمها هذا الحزب، وهذه الحدود تضيق يوما بعد يوم. يحدث ذلك كلّه في ظلّ الانهيار المالي وما رافقه من تحلُّل في المجتمع ووهنٍ في الدولة. باستثناء المساعدات الاجتماعيّة الحزبية، تواطأ الجميع، وعلى رأسهم حزب الله، على اعتماد سياسة الإنكار، وكأنّ شيئاً لم يكن، وكأنّ بإمكاننا أن نتابع «البزنس آز يوجوال»، فنرشّح سليمان فرنجيّة وميشال معوّض لرئاسة الجمهوريّة، ونخفي تحت السجادة خسائر المصارف وتداعيات التضخّم، بانتظار عائدات النفط. هذا الإنكار ليس حالةً ذهنيّة، بل هو أحد عوارض العنف الفظيع الذي تمارسه المافيا الحاكمة ضدّ المجتمع. عنفٌ بتنا نرى شظاياه تنفجر بأشكالٍ ليس باستطاعة أحد التكهّن بها.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان