عام 2012، نُشِرَت أغنية، «مُحاكاة تهكّمية ساخرة تنتقد بعض المواضيع التي تبنّاها بعض فنّاني صناعة الموسيقى»، بعنوان: شدني بشعري، حسّسني انّي رخيصة. الأغنية التي أُخذَت بروح النكتة، تبيّن في نهاية الأمر أنّها رؤيويّة، تنبّؤيّة، تفوز على توقّعات ميشال حايك بقليل. ذلك أنّها وصفت منذ ذاك الوقت، موقف الدولة اللبنانية اليوم من دول مجلس التعاون الخليجي.
أمس الأربعاء، طلب وزير الداخلية بسام مولوي ترحيل معارضين بحرينيّين من لبنان، بعدما عقد هؤلاء مؤتمراً كشفوا فيه خروقات النظام البحريني تجاه حقوق الإنسان. ترحيلهم، وهم أعضاء في جمعية «الوِفاق» المُعارِضة، لم يتطلّب سوى اتّصال هاتفي من وزير الداخلية البحريني لمولوي.
اليوم، يواجه المعارضون خطر التعذيب، وربّما ملاقاة حتفهم في البحرين، هذا إن أمسكهم الأمن العام.
قد يتلذّذ مولوي إذاً، من جهة، بمشاهدته مُعارِضين يُجلَدون في البحرين، تماماً كما يبدو أنّه يتلذّذ كلّما جلدته البحرين، كلما فركت أذنه، كلّما أشارت عليه بكيفية التصرّف. لا مهرب من التسليم إذاً بأنّ مولوي ساديّ- مازوخيّ.
الساديّة: البحث عن اللذّة في تعذيب الآخر.
بتعريفٍ أدقّ، هي «انحراف» نحو «الفسق»: نظامٌ وحشيٌّ ومعادٍ للمجتمع يتمرّد على طبيعة المرء. وقد أتى المصطلح نسبةً للفيلسوف الفرنسي ماركيز دو ساد الذي كتب رواياتٍ فيها ما سيُعرّف لاحقاً بالممارسات «الساديّة».
المازوخيّة: البحث عن اللذّة في التعرّض للتعذيب.
بتعريفٍ أدق، هي البحث عن المعاناة الجسديّة-النفسيّة و«الانحطاط»، مع إمكانيّة أن يتمّ هذا البحث بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ. وتعود التسمية بدورها لكاتبٍ تناول مثل هذه المواضيع، وهو ليوبولد فون ساشر-مازوخ.
وإذ يشكّل تصرّف مولوي الأخير مثالاً صارخاً على هذا التمازج النفسي، فإنّ «الدولة» اللبنانيّة مبنيّة بأكملها وفق هذه البنية: مازوخية تجاه الخارج، ساديّة تجاه الداخل. دول أجنبية تشدّ الدولة بشعرها، تُحسّسها أنّها رخيصة - وهي بالفعل رخيصة؛ وممارسات قمعية تجاه الداخل يُشرف عليها طغاة يستلذّون بمشاهدة الناس يذوبون في معاناتهم.
صباح اليوم، توفيَ متقاعد عسكري متأثّراً بجراحٍ أُصيبَ بعدما أحرق نفسه الإثنين.
لا بد أن نَيرون بعبدا، العسكري المتقاعد بدوره، قد ابتسَم بينما أحرق البلاد بكاملها، متمّماً نهجاً أُرسيَ منذ عقودٍ ثلاثة.
منذ أيّام، تقدّمت لجنة ضحايا المرفأ الجديدة، أي تلك الموالية لحزب الله، بطلبٍ لنقل الملف من القاضي طارق بيطار.
لا بد أنّ حزب الله يجد متعةً خاصّة في مشاهدة الدور الجديد الذي أوكله لابراهيم حطيط مثلاً، في عرقلة تحقيقات المرفأ. يهوى الحزب أن يشاهد حطيط يتعذّب، مع دفعه إلى «خيانة» دماء أخيه والانصياع لإصبع الأخ الأكبر.
منذ أسابيع، نفضت الحكومة يدَيها من وزيرٍ نعت حرب اليمن بالحرب العبثية، من دون أن يرُفّ جفنها لدعوة الوزير نفسه في الحلقة نفسها إلى انقلابٍ عسكريّ في لبنان يُطيح بالحكومة نفسها التي هاجمته لموقفه الآخر. ماذا يُسمّى ذلك؟
كثيراً ما قد تترافق الميول السادية مع ميول مازوخيّة. ويبدو، في نهاية المطاف، أن الدولة اللبنانية لا تتعدّى كونها واحدة من هذه الحالات.
غير أنّنا نحن، ضحايا هذا النظام، لم نجد من لذّة بعد لا في طابع الدولة الساديّ ولا في طابعها النقيض.
مع شديد الأمل أن نكون قد طوّرنا، خلال انهيارنا الحالي، ما يكفي من الدوافع السادية لننفجر ضحكاً وهياجاً يومَ نرى جثث القَيّمين على هذا النظام الرخيص.