تحليل الثورة السورية
زياد ماجد

سوريا التي تصارع في فرصة خلاصها الرابعة

8 كانون الأول 2024

تسارعت التطوّرات الميدانية في سوريا، وتقلّصت المساحة التي يسيطر عليها ما تبقّى من النظام الأسدي الساقط، والفاقد ما مكّنه من الاستمرار في السنوات السابقة: دعم إيران وروسيا.


التدخلات الخارجية المنقذة للنظام

يمكن التذكير بلحظات ثلاث كان النظام موشكاً فيها على السقوط لولا إنقاذه خارجياً.

اللحظة الأولى، هي لحظة صيف 2012، حين تدخّل حزب الله بطلب إيراني في ضواحي دمشق وفي ريف حمص المجاور للحدود اللبنانية (قبل تقدّمه العام 2013 إلى القصير)، وتدخّلت معه ميليشيات عراقية بدأ وصولها الى سوريا (لتنضمّ الى عراقيين مقيمين على مقربة من العاصمة، حملوا السلاح في محيط مقام السيدة زينب). ترافق ذلك مع رفض أميركا تزويد الجيش الحرّ بالصواريخ المضادة للطائرات، التي كانت كفيلة بردع الأسد عن استخدام سلاح الجوّ الذي دمّر على مدى سنوات لاحقة المدن والبلدات المحرّرة، وعدّل من تركيبتها السكّانية (والسياسية) مشرّداً ملايين السوريين من ديارهم. ذريعة باراك أوباما حينذاك كانت الخشية من وقوع الصواريخ المذكورة في أيدٍ غير مأمونة، وطلبَ إسرائيل منه عدم توفير هكذا أسلحة للجيش الحر خشيةً على أمنها وعلى سلامة طيرانها المحلّق دورياً فوق الجنوب السوري.
اللحظة الثانية، هي لحظة صيف 2013، بعد خرق الأسد «الخط الأحمر الأميركي والدولي الوحيد» وارتكابه المذبحة الكيماوية في غوطتي دمشق الشرقية والغربية، وتمنّع واشنطن عن معاقبته عسكرياً كما سبق لها أن أعلنت. يومها أيضاً تذرّع أوباما بعدم التوافق «غربياً» حول الضربة، ليتبيّن لاحقاً أن إسرائيل شجّعت إدارته المتردّدة أصلاً على التفاهم مع الروس وعدم إضعاف الأسد خشية وقوع مخزون أسلحته الاستراتيجية (الكيماوية والباليستية) في قبضة «متطرّفين». التتمة معروفة.
اللحظة الثالثة، هي لحظة صيف 2015، حين تدخّلت روسيا عسكرياً واجتاحت سوريا ممكّنة الأسد (وحزب الله والميليشيات الموالية لإيران) من الانتقال تدريجياً من الدفاع عن 20 في المئة من أراضي البلد الى الوضعية الهجومية والاستيلاء بين العامين 2016 و2020 على 65 في المئة من تلك الأراضي.

جمّد مسار آستانة بين روسيا وإيران وتركيا الأوضاع السورية بعد ذلك (بموافقة ضمنية أميركية واكتفاء بانتشار عسكري غربي في المناطق التي سيطرت عليها القوى الكردية في الشمال الشرقي والشرق، إثر هزيمة داعش فيها). وبدأت دول عربية بقيادة إماراتية التطبيع مع الأسد، بعد أن سبق لدول أخرى أن تراجعت عن دعم المعارضات السورية لأسباب مختلفة (من بينها حرب اليمن). وبدت الأمور مقبلة على تعويم للنظام ونجاة نهائية له من مخاطر السقوط.


تآكُل النظام وانتظام المعارضة

لكن مجموعة عوامل، منذ ذلك الحين، أوهنت الأسد ونظامه. منها ثقته بنهائية ما أرسته الاحتلالات الأجنبية لسوريا من معادلات تبقيه في دمشق وتمكّنه من التصرّف وكأنه بالفعل رئيس دولة. ومنها غروره وجهله كما جهل مستشاريه بالسياسات الخارجية، وتفويتهم الفرص العربية الممنوحة لهم (من أنظمة لا مشكلة حقوقية أو قيميّة لها معهم ومع جرائمهم، بل مع تحالفاتهم الإقليمية ومع تصديرهم الكابتاغون إليها) لترتيب أمور الحدود السورية والسماح بعودة آمنة للاجئين. ومنها سعيه «للتذاكي» والاستفادة ممّا بدا له تباينات بين طهران وموسكو لكي يستخدم هذه ضد تلك تجنّباً لأي ضغوط من واحدتهما عليه. ومنها أخيراً رفضه الحوار مع تركيا ومع القوى الكردية السورية، ورهانه في الأشهر الأخيرة على قدرة أبو ظبي على تعويمه اقتصادياً ومصالحته مع واشنطن في لحظة تراجع الحضور العسكري الإيراني والروسي في سوريا بسبب انشغال طهران بالحرب الإسرائيلية التي لم يحرّك في وجهها ساكناً، وروسيا بالحرب الأوكرانية التي اشتدّت وتيرتها وباتت تتطلّب كل الطاقة القتالية الروسية.
يضاف الى ذلك، أن الأسد القابع على رأس نظام منهارٍ اقتصادياً ومالياً وخدماتياً، منخورٍ بالفساد والهدر على كافة المستويات، ومعتمدٍ على اقتصاد الإتجار بالمخدّرات والخوّات والابتزاز على الحواجز العسكرية ومراكز ميليشيات «التشبيح» على السكان، ترك جيشه المنتشر بعيداً عن العاصمة منذ انتهاء المعارك الأرضية قبل أربع سنوات عرضة للتهتّك التنظيمي، متّكلاً على مجنّدين بالقوة للخدمة العسكرية، ومن مجموعات قليلة التدريب والانضباط والتجهيز، ليس معظمها بالمستعد للقتل والموت في سبيله وسبيل أركان نظامه.

في المقابل، كانت الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال، من «تحرير الشام» الى الهيئات الموالية لتركيا، تنظّم نفسها منذ عامين، وتتدرّب على استخدام طائرات «درون»، وأغلبية عناصرها مشكّل من شبّان ورجال هجّرهم النظام وحلفاؤه من ديارهم ودمّر أرزاقهم، ويتوقون للعودة إلى بلداتهم ومدنهم ثأراً لكرامات ذويهم المهدورة في الخيم وأبنية النزوح التي تناوب الأسديون والروس ثم الزلزال على قصفها. وتركيا التي تراقب موازين القوى الداخلية هذه، والتي أدركت أن النظام شديد الضعف عسكرياً على الأرض بعد خروج حزب الله من سوريا بسبب الحرب الأخيرة مع إسرائيل وبعد تراجع قدرة موسكو على دعمه جوياً، دفعت بالمعارضين في هذا التوقيت بالذات لينهوا تجميد الصراع وليبدّلوا خرائط الشمال والوسط السوريّين. والأرجح أن الانتفاضات في درعا والسويداء في الجنوب وفي قاعدة التنف في الصحراء، ثم في غوطتي دمشق، جعلت من تبديل الخرائط شمالاً عملية إسقاط للنظام وتبديلاً لخريطة سوريا بأكملها!


طيّ صفحة عمرها 54 عامًا

ثلاث فرص سابقة ضاعت إذاً للخلاص من نظام الهمجية الأسدي. وقُتِل من بعدها مئات ألوف السوريين.
الأولى كانت بقوام وطني سوري سبق الكثير من التصدّعات والانهيارات السياسية والمجتمعية؛ والثانية بقوام إسلامي لم يكن التطرّف قد طغى عليه بعد؛ والثالثة بمركّبات إسلامية وجهادية عدمية كانت نتاج التوحّش الذي تعرّض له السوريون (والعراقيون) على مدى سنوات.
منذ أيام، تقدّمت قوى سوريّة بهويّات سياسية وإسلامية وجهوية مختلفة. في تكوينها شيء من كل ما سبق ذكره، وفيها أيضاً شيء يشبه الإعداد للتكيّف مع متطلّبات مرحلة انتقالية مقبلة (بإشراف دولي ودور تركي محوري). تقدّمت على جميع المحاور وحرّرت دمشق بعد حلب وحماه وحمص لتخلق فرصة الخلاص الرابعة.
قد تظلّ المناطق الساحلية تحت سيطرة بقايا الأسدية (وروسيا)، أو ربما تحت سيطرة قوى ذاتية للأسباب الطائفية المعلومة وما تثيره من مخاوف. وقد تبقى مناطق الشمال الشرقي والشرق تحت سيطرة القوى الكردية (بعد تخلّيها طوعاً أو قسراً عن مناطق عربية تمدّدت فيها). 

لكن المهمّ أن سوريا تطوي اليوم صفحة من عمرها، ومثلها المنطقة التي لوّثتها الأسدية بأبشع مثالب الطغيان والعنف والفساد. وهذا في ذاته، رغم المخاطر والصراعات المقبلة، مدعاة احتفال وتذكّر لمئات آلاف الضحايا من أبناء وبنات سوريا ولبنان والمخيّمات الفلسطينية، ممّن صرعهم حكم الأسدين الأب والإبن على مدى 54 عاماً…

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
تعليق

طفلٌ لن يحكمه الأسد

منار شربجي
نتنياهو يستعرض في جبل الشيخ
حدث اليوم | الثلاثاء 17 كانون الأول 2024
17-12-2024
أخبار
حدث اليوم | الثلاثاء 17 كانون الأول 2024
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 17/12/2024 
عائد إلى القصير
17-12-2024
أخبار
عائد إلى القصير
انتشال رفات 21 جثماناً في ريف دمشق