ثمّة ما لا نعلمه خلف الانهيار…
خلال الأيام الماضية، رسمت الأحداث المرتبطة بالوضع المالي مجموعة من المشاهد التي تشابهت في غموضها والتباسها، وفي إشارتها لوجود صفقات تُعقد بعيداً عن أعين الرأي العام.
من مصير أموال صندوق النقد الدولي المرتقبة، إلى وضع المرفأ والتفليس القسري الذي يتعرّض له، وصولاً إلى عودة كارادينيز: ثمّة ما لا نعلمه خلف كلّ القرارات المتّصلة بهذه الملفات.
خبر كهذا يمكن أن يكون بشرى سارّة لدولة تعاني من جفاف العملة الصعبة، ومن تعثّر أبسط عملياتها نتيجة هذا الواقع: من انقطاع الكهرباء نتيجة شحّ الفيول، إلى غياب مصادر تمويل البطاقة التمويليّة، وصولاً إلى الشلل الذي يضرب جميع أنشطة الإدارات الرسميّة.
لكنّ هذه البشرى سرعان ما تعكّرها تساؤلات مخيفة:
- ما مصير الدولارات بغياب أي قانون يضبط أي سيولة يمكن أن ترد إلى احتياطات المصرف المركزي؟
- مَن يثق بإدارة حاكم مصرف لبنان لهذه الأموال، بعدما شرّع الباب أمام تهريب أموال القطاع المالي طوال السنة الماضية؟
- من سيربح الـ900 مليون دولار، ووفقاً لأيّ أولويات سيتم استعمالها؟
- أيّ متعهّدين محظيّين سينالون شرف تمويل خدماتهم بالدولار النقدي، في غياب أي استراتيجيّة حكوميّة لتقنين ما يتم استعماله من دولارات مصرف لبنان لتمويل انفاق الدولة؟
أمام هذا الخبر الغريب، لا يمكن إلّا طرح بعض الأسئلة:
- ما معنى حسن النيّة في العودة لعمليات إنتاج الكهرباء، في حين أن البلاد غير قادرة على تأمين الفيول لتشغيل المعامل الموجودة على اليابسة بأقصى طاقتها أصلاً؟
- ما مصلحة لبنان في العودة إلى «فوترة» انتاج البواخر، في حين أنه غير قادر على استخدام معامله الثابتة؟
- ما معنى أن تعود الشركة لعقد مع دولة غير قادرة على سداد مستحقاتها اليوم، ولم تبادر إلى التفاوض على مسحقاتها السابقة أصلاً؟
باختصار، كل ما جرى يوحي أننا أمام مجموعة من الألغاز الغامضة التي تشير إلى تسوية ما حصلت بعيداً عن أعين الإعلام، خصوصاً بعد تواري المتهمين الأساسيين في قضية العمولات عن الأنظار. وما عودة الشركة إلى العمل إلا دلالة على حجم الصفقات التي أخفتها عقود البواخر، والتي دفعت باتجاه لملمة الملف على هذا النحو المريب.
مجدّداً، ثمّة أسئلة بعد الخبر:
- أي منطق يفرض اليوم أن يتم تعجيز مؤسسة عامة حيويّة كالمرفأ، في حين أن حجم التعويضات المطلوبة لأهالي الضحايا أكبر بكثير من أن يتمّ سداده ببعض العائدات المحدودة الناتجة عن عمليّة الحجز هذه؟
- هل المطلوب عرقلة أي فرصة لقيامة المرفأ، تمهيداً لوضعه للبيع في صفقات تحاصص نقاط النفوذ الإقليميّة؟
يشير كل ما يجري إلى أننا أمام مرحلة عنوانها الوقاحة في إخفاء الحقائق، أو التستر على أهداف القرارات التي يجري اتخاذها، رغم اتصالها بأقسى أشكال الانهيار المالي الذي تعيشه البلاد. أما أخطر ما في الموضوع، فهو أن هذه الملفات كافّةً لم تحظَ بالإهتمام الشعبي أو الإعلامي المطلوب، ما يشير إلى حالة من الاستسلام لهذا الأمر الواقع، ولطريقة إدارة البلاد اليوم.