تكثّف النقاش مؤخرًا حول ما آلت إليه نتائج انتخابات مجلس مندوبي نقابة المهندسين.
فمن جهة، هناك الرأي الذي تهيمن عليه «القراءة النقابوية» والذي أفرط في النظرة الإيجابية، وسارع إلى محاولة تقريشها انتصارًا على السلطة في الاستحقاقات المقبلة. ومن جهة أخرى، هناك «الرأي الراديكالي» الذي تهيمن عليه القراءة السياسويّة، والذي سارع في التفريط في النتائج، على اعتبار أن المعركة النقابية لا تقدّم ولا تؤخّر خلال فترات الانهيار.
إلا أنّ القراءتين تقعان في منطق مأزوم لأسباب عدة.
أزمة القراءة النقابويّة
يرى أصحاب هذا الطرح أن نتائج الانتخابات تحمل مؤشرات ايجابية تطال أية انتخابات مستقبلية، ويسارعون إلى بناء الآمال على انهيار السلطة بشكل متسارع. وهو رأي يشكّل امتدادًا لكل عملية تسطيح للمواجهة، دون الأخذ في الحسبان أنّ طبيعة المعارك الانتخابية مختلفة، وأنّ حسابات الانتخابات النيابية تختلف تمامًا عن الانتخابات النقابية. فهي قراءة تهيمن عليها أوهام الطبقة الوسطى، ولا يمكن التعويل عليها في مدى حدية الانهيار الذي يعكس الحقيقة الوحيدة التي نعيشها.
إن الخطر المميت في هذه النظرة النقابوية الإصلاحية الايجابوية يكمن في تخفيف النقابي من أي حمولة سياسية جذرية. فالانهيار يغيّر في طبيعة وبنية العمل النقابوي/الطلابي جرّاء:
- علاقته الجدلية مع السياسيّ أولًا.
- طبيعة التفاوت بين المهن الحرة والقطاع الخاص (الجامعات الخاصة مثلا) والقطاع العام (الجامعة اللبنانية مثلاً) ثانيًا.
- الطابع الطبقي للصراع الاجتماعي الذي يصبح أكثر حدّةً يوميًا، مع ما يعنيه من بداية فقدان الطبقة الوسطى معظم الامتيازات التي كانت بحوزتها.
أزمة القراءة الراديكاليّة
تهيمن على هذا الطرح القراءة السياسويّة البديلة، وهي تعاني من قصر نظر، لم يكن أولها ما رافق اكتساح النوادي العلمانية لمجالس فروع الطلاب في الجامعات الخاصة، ولن يكون آخرها القراءة التبسيطية لمشهد الانتصار في نقابة مثل نقابة المهندسين. فينسى أو يتجاهل هذا الطرح دور النقابة المصادَر منذ انتهاء الحرب الأهلية وتغوُّل عملية إعادة أعمار وسط بيروت وغيرها من المناطق، وتوزيع المنافع والمحاصصة في المشاريع «التنموية والعمرانية»، والتي كان مجلس الإنماء والإعمار رأس حربتها.
فالانتصار في انتخابات نقابة المهندسين هو واحد من الانتصارات التي يُحسَب لها ألف حساب، نظرًا لما تشكّله من صراع محوري وأساسي ومفتوح مع المنظومة في نقطة ارتكازها على مدى ثلاثة عقود.
أي ان الانتصار هو انتصار سياسي وإن كان بشكل نقابوي.
دون أن نغفل الكلام عن أهمية الانتصار على المستوى النقابي التعاضدي كذلك، إذ لا يمكن نسيان المأزق الذي واجه الانتفاضة عندما كانت الدعوات إلى الاضراب مقتصرة على المجموعات السياسية، دون أن تضطلع أي نقابة بدور فعلي وجدي، ما أفقد الإضرابات قدرتها على التعطيل وعلى شلّ البلاد وتكبيد السلطة المزيد من الخسائر.
لذلك، فإن وضع اليد على العلاقة الجدلية التي تربط السياسي بالنقابي في أزمات كهذه، هو بيت القصيد.
شكّلت عملية إعادة الاعمار، والطفرة العقارية التي نتجت عنها، إحدى نقاط ارتكاز المنظومة. وكانت السلطة، لهذا السبب بالتحديد، تنظر إلى النقابة بوصفها مؤسسة شديدة الأهمية والخطورة، ليس لدورها النقابي المعارض فحسب، بل لدورها القادر على المواجهة وتعطيل أحد أبرز مصادر رزق الطبقة الناهبة منذ اتفاق الطائف وما تلاه من استباحة وسط بيروت، وصولًا إلى استباحة المشاعات والبيئة والسهول والجبال وكافة المناطق والمشاريع التنموية، على سبيل المثال لا الحصر.
لذلك، فإنّ الطابع الحساس والخطِر للانتصار على مستوى مجلس مندوبي النقابة، ومع ضرورة وأهمية استكماله على مستوى انتخابات النقيب، يؤكد على ضرورة النظرة التكاملية للسياسي والنقابي من ناحية، ويؤكد كذلك على ضرورة السعي إلى تحويله إلى نموذج تعاضدي وتضامني جديد، ورأس حربة لمشروع سياسي اجتماعي طبقي مواجه.