خطاب الردع
على إسرائيل أن تخشى الحرب. قد تكون هذه هي خلاصة خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، مساء الأربعاء. شكّل الخطاب استعراضاً لقوّة الردع التي يتمتّع بها حزب الله، من عرض بنك الأهداف، والحديث عن أسلحة جديدة، وصواريخ دقيقة، وأعداد تفوق المئة ألف من المقاتلين، وتهديد الملاحة في البحر الأبيض المتوسّط، وصولاً إلى تحذير قبرص والإعلان بأنّ حزب الله سيخوض الحرب هذه المرّة «بلا ضوابط، وبلا قواعد، وبلا أَسقُف».
مهّد حزب الله لهذا الخطاب الردعيّ بعمليّات نوعيّة، في الأسبوعَيْن الأخيرَيْن، هدفت لإرسال إشارات حول قدرات الحزب وما يمكن أن يسبّبه من أذى لإسرائيل، إن توسّعت الحرب. ولعلّ أبرز هذه الإشارات هي:
- استخدام مضادات جويّة يقول الحزب إنّها أجبرت طائرات إسرائيلية على التراجع.
- استهداف منظومة القبّة الحديدية الإسرائيلية بصاروخ في ثكنة راموت نفتالي، وبثّ فيديو يُظهر ذلك.
- نشر فيديو «الهدهد» وما تضمّنه من بنك أهداف حيويّة، ومن تأكيد على قدرة مسيّرات حزب الله على اختراق الأجواء الإسرائيلية، سواء للاستطلاع أو القصف.
تأتي هذه الحزمة الردعيّة لتحدّد أين يقف الحزب في هذه المرحلة:
- الإصرار على «جبهة الإسناد» من لبنان، وعدم إقفالها ما دام العدوان مستمرّاً على غزّة.
- رفض تنفيذ المطلب الإسرائيلي بتراجع حزب الله إلى ما وراء الليطاني.
- عدم الرغبة في توسيع الجبهة اللبنانية، والسعي لتفادي حرب موسّعة رغم الاستعداد لخوضها.
هوكستين والإنذار الأخير
إذا كانت هذه هي رسائل حزب الله، فإنّ الإدارة الأميركيّة، هي الأخرى، نشطت هذا الأسبوع لتحديد موقعها:
- لا تودّ الولايات المتحدة الأميركية رؤية أيّ توسّع للحرب، خصوصاً وأنّها تعلم أنّ أيّ حرب بين إسرائيل وحزب الله سوف تكون مدمِّرةً على طرفيّ الحدود. وقد كرّرت على لسان مسؤوليها مراراً رغبتها بحلّ دبلوماسيّ بين إسرائيل ولبنان.
- لا تثق الولايات المتحدة الأميركية بقدرة إسرائيل أصلاً على شنّ حرب كهذه. حتّى القبّة الحديديّة قد لا تتمكّن من أداء واجبها في مواجهة كمّ الصواريخ التي سيطلقها حزب الله. وهذا ما قاله صراحةً مسؤولون أميركيّون للسي.أن.أن. وفي السياق نفسه، يأتي ما نقله موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين آخرين أشاروا إلى أنّ نتنياهو، من خلال الفيديو الشهير الذي أفرغ فيه غضبه على الإدارة الأميركية، إنّما يعيق جهود الولايات المتّحدة لتجنُّب الحرب مع لبنان. كأنّ أولئك المسؤولين يصرّحون بأنّ تجنّب الحرب هو خدمة لمصلحة إسرائيلية يفرّط بها نتنياهو.
- لكنّ التفضيل الأميركي للحلّ الدبلوماسي لا يعني قدرة الولايات المتحدة على منع إسرائيل من شنّ حرب على لبنان، والخلافات حول اجتياح رفح تثبت ذلك. ولا يعني أيضاً أنّ الولايات المتحدة ستقف في موقع المحايد أو المتفرّج في حال وقوع الحرب. ووفقاً لبعض التسريبات الإعلامية، كانت زيارة الموفد الأميركي الخاص، آموس هوكستين، إلى بيروت، مختلفةً هذه المرّة. فقد حمل تحذيرات أو تهديدات باستعداد إسرائيل لشنّ حرب على لبنان، لكنّ الأهمّ تلميحه بأنّ الرفض اللبناني للبحث بأيّ حلّ دبلوماسيّ لملفّ الحدود، قد يضع الولايات المتحدة في صفّ الداعمين للحرب الإسرائيليّة. وإذا كانت هذه التسريبات صحيحة، فهذا يعني أنّ هوكستين حمل معه ما يُمكن تسميته بـ«الإنذار الأخير».
نتنياهو تحت الضغط
تشير تسريبات السي.أن.أن. نفسها إلى أنّ إسرائيل أبلغت واشنطن بتخطيطها لنقل موارد إلى الشمال استعداداً لهجوم محتمل ضد حزب الله. والواقع أنّه كلّما اقتربت نهاية العمليّات العسكريّة الكبرى في غزّة من دون التوصّل لصفقةٍ لوقف إطلاق النار، ازدادت التحذيرات بشأن اقتراب حرب واسعة مع لبنان.
وفق التقديرات، لا يزال أمام جيش الاحتلال بضعة أسابيع قبل الانتهاء من عمليّته في رفح. بعد ذلك، ستنصبّ جهود إسرائيل على سؤال «اليوم التالي» في غزّة، والذي لا يملك أحدٌ حتّى الآن أيّ إجابةٍ عليه. لكنّ العيون ستتّجه أيضاً صوب الشمال حيث تواجه إسرائيل مشكلة عودة مستوطنيها إلى بيوتهم. ولن يكون ذلك متاحاً لسببَيْن على الأقلّ:
- الأرجح ألّا تتوقّف «جبهة الإسناد» اللبنانية ما لم يتمّ التوصّل لاتفاق كامل لوقف إطلاق النار في غزّة بين حماس وإسرائيل.
- قد لا تكفي صفقةٌ بين حماس وإسرائيل لحلّ مسألة النازحين على طرفَي الحدود. فثمّة ما يشبه التوافق الأميركي- الإسرائيلي بأنّ عودة الأمور على الحدود اللبنانية إلى ما كانت عليه في 6 تشرين الأوّل، لا يضمن أمن إسرائيل.
بين «الإنذار الأخير» لهوكستين بشأن الحرب و«الاستعراض الأخير» لنصرالله بشأن الردع، تتّجه الأنظار إلى بنيامين نتنياهو الباحث عن صورة انتصار ما زال عصيّاً في غزّة، وتحيط به الضغوط الداخلية والخارجية. ولعلّ الضربة الأقسى تلقّاها من المتحدّث باسم جيشه، دانيال هاغاري، الذي قال بوضوح، ومن على شاشات التلفزة في إسرائيل، إنّ القضاء على حماس غير ممكن، وذلك بعد أيّام على إعلانه أنّ تحرير كلّ الأسرى بالطرق العسكرية غير ممكن أيضاً. ما هو الممكن إذاً؟ يسأل نتنياهو وهو يطالب بإصرار بالإفراج الأميركيّ عن صفقة قنابل الـ900 كلغ. أعطونا الأسلحة، يقول، و«سنردع أيّ حرب مستقبلية مع حزب الله».