الصفعة
لم نسمع، يوم الأحد، صيحات النقابة لنا التي تلت إعلان نتائج انتخابات المهندسين. كما لم نقرأ تعليقات عن روحٍ ردّها هذا الاستحقاق، أو مقالات عن أمل متجدّد باكتساح الانتخابات النيابية القادمة.
لم نسمع إلّا صمتاً بحجم الصفعة التي تلقتها قوى الثورة…
يمكن كَيْل كلّ الاتهامات التي نريدها لملحم خلف. لكنّه كان نقيباً منتخبًا من الثورة. واستبداله بعد سنتين على انطلاق هذه الثورة، بناضر كسبار، وهو مرشّح أقرب إلى مختار مدعوم من تجمّع أحزاب السلطة، له رمزية مؤلمة، ومن المهمّ الوقوف عندها.
لم نسمع صيحات النقابة لنا، ولكن لم نسمع أيضًا أي نقد ذاتي أو محاسبة عند مجموعات الثورة التي تدّعي الديموقراطية والشفافية والمحاسبة.
المحاسبة ليست فقط موجّهة للفاسدين، أو شعار نردّده بتظاهرات الفولكلور المدني أو بالإطلالات المتكرّرة والمضجرة لبعض نجوم الثورة. المحاسبة تطال أيضًا مَن يفشل بالقيام بالدور المنوط به، حتى ولو كانت نيته صافية، من أدار هذه المعركة وتسبّب بهذه الصفعة المدوّية.
على مشارف الانتخابات النيابية، لا نريد التحالف مع فاسدين ربّما. لكنّنا لا نريد أيضًا تسليم هذه المعركة لمن لا يستطيع إدارة معركة نقابية.
عن شرعيّة مجموعات الثورة
هناك اختراع، غريب بعض الشيء، يدعى «مجموعات الثورة»، وهي أجسام ظهرت حول الحركة الاعتراضية، وتحوّلت، مع الوقت ومع خفوت الحركة الشعبية، إلى ممثّل غير شرعيّ لهذا المناخ الاعتراضي.
غير شرعيّ لأنّ هذه المجموعات لم تقُد الثورة ولم تراكم شرعيّة في الشارع تخوّلها ادّعاء التمثيل. فبالكاد كانت تنظّم بعض الاحتفالات بلحظة خفوت الحركة الشعبية، أكثريتها باهتة.
لكنّ عدم شرعية المجموعات والأحزاب الثورية لم يشكّل سببًا لرفضها. فكان هناك دور واحد متوقّع من تلك الأجسام، وأساس شرعيتها السياسية، وهو التمثيل المؤسستي لحركة الاعتراض الشعبية، أي التمثيل ضمن المؤسسات.
شرعية المجموعات ليست نابعة من تاريخ طويل من النضال أو من تمثيلها للحراك الاعتراضي، بل من شرعية وظيفية مفترضة، قائمة على دورها كأداة في خوض شتى أنواع الانتخابات.
وإذا بقيت تلك التنظيمات خارج المساءلة حتى الآن، فذلك ترقبًا لهذا الدور الموعود، دور تلقى صفعةً مدوّيةً يوم الأحد.
عن دروس النقابة؟
من الصعب البحث عن دروس جرّاء هذه الهزيمة. فمواضيع الخلاف الظاهرية تبدو سريالية في ظلّ الانهيار العام وفي وجه منظومة مسلحة.
فأن يتحوّل موضوع مثل التحالف مع الكتائب إلى نقطة خلافية تقسم مجموعات، فهذه إشارة إلى طفولية نابعة عن انقطاع المجموعات عن الواقع حولهم.
وأن تكون مجموعات تملك الكبرى بينها قدرةً تجييريةً تتّسع في سرفيس واحد، ما زالت تتحايل على بعضها بعضاً بخصوص موضوع توحيد اللوائح، فهذا أقرب إلى ابتزاز ناتج عن قضاء وقت طويل في صالونات التفاوض.
وأن نكون على مشارف انتخابات نيابية، ولم تظهر بعد أي رؤية لكيفية خوض هذا الاستحقاق، من قبل من يريد تمثيلنا، فهذا بات غنج من يعتبر أن حقه في تمثيل الثورة مكتسب، مهما خبّص…
ليس هناك من درس لأنه لم يكن هناك من معركة. فالنتيجة الوحيدة لهذا الاستحقاق هي أنّ مجموعات الثورة لم تعد خارج النقد، ولم تعد تحظى بثقة الناخبين كالممثل الوحيد للاعتراض. وهذا بغض النظر عن حجم اللوغو.
معضلتهم ومعضلتنا
ليس سرًّا أنّ لا أحد في مجموعات الثورة حاضر لخوض الانتخابات النيابية القادمة. بل أبعد من ذلك، هناك شكّ بأنّ البعض قد يفضّل ألّا تجري، لأنّها ستعرّي الهذيان الثوري المسيطر. لكنّ المشكلة أنّه بالنسبة لتلك المجموعات، ما من أفق سياسي غير الانتخابات.
وهنا المعضلة: المطالبة بانتخابات يدركون تمامًا أنّهم غير قادرين على خوضها…
هذه معضلتهم. أمّا معضلتنا، فهي أنّ لا أمل في إحراز أي نتيجة مقبولة في تلك الانتخابات إن لم نستطع بناء حركة شعبية، ولم نستطع بناء تلك الحركة في ظل مجموعات متصارعة وخلافاتها الفئوية.
وهنا المعضلة: نتحضّر لانتخابات بأدوات ندرك أنّها المشكلة…
ربّما، وبروحية الديموقراطية والمحاسبة، بات على جمهور الثورة أن يطالب ممثّليه المفترضين بتصوُّر عن كيفية خوض هذه الانتخابات، تصوّر يتّم على أساسه قرار دعم تلك الخيارات أم رفضها. فالخيار الذي لن نذهب إليه هذه المرة، هو خيار الابتزاز، حيث يضعنا البعض أمام خيار انتخاب نظام مجرم أو ثورة فاشلة.
في ظلّ تخبّط كهذا، لن نستطيع لوم أحد إن فضّل خيار القوات اللبنانية كممثّل للاعتراض، وهي التي بدا خيارها صراحةً أكثر إقناعًا من مبادئ الثوار يوم الأحد.
لكنّ خيار الابتزاز لن يمرّ هذه المرة. فهناك خيار آخر تزداد شعبيته يوميًا، وهو قرار مقاطعة الانتخابات القادمة، ليس فقط لسحب أي ادّعاء شرعية من النظام، بل أيضًا من قوى المعارضة. ففي ظل انهيار عام يفرغ الانتخابات من أي قدرة إصلاحية، وفي ظل تهرغل سياسي يطال أحزاب السلطة وقوى المعارضة، ربّما كل ما يمكن أن نفعله هو أن نحاول سحب أي شرعية يمكن أن يختبئ وراءها النظام.
من الأفضل، ربّما، ترشيح 128 مهرّجًا في الانتخابات القادمة لضرب أي شرعية انتخابية، بدلاً من الوصول إلى الاستحقاق القادم مع مجموعة لوغويات تتصارع حول مسألة التحالف مع الكتائب.