مع توافق الطبقة السياسيّة على خطّة «شراء الوقت»، يدخل لبنان مرحلة إدارة الأزمة، بغية تأجيل موعد الانهيار الكبير، أو ما يُعرَف بمرحلة Constant crisis management.
ستحاول منظومة الحكم، وفق هذه الخطّة، أن تعالج بعض نتائج الانهيار، والابتعاد كلّياً عن معالجة أسبابه. بهذا المعنى، قد يشهد لبنان في المرحلة المقبلة بعض الإصلاحات المحدودة والخجولة، بهدف الحصول على بعض التمويل الخارجي (صندوق النقد، سيدر، البنك الدولي)، لمعالجة ما يمكن تسميته بالأزمات الآنيّة.
من بين تلك الأزمات المرشّحة لحلّ جزئي، محاربة التضخّم او مساعدة شكلية لقطاع اقتصادي حيوي يحتضر أو حماية قطاع خدماتي من الانهيار. لكنّ هذه الإصلاحات، بطبيعة الحال، لن تذهب بعيداً في تهديد مصالح الطبقة السياسية وثرواتها وثروات الاوليغارشية المرتبطة بها، أو إلى حدّ تهديد ديمومة الطبقة السياسية ودولتها العميقة ونفوذها وسطوتها على الاقتصاد اللبناني. اقتصاديّاً: بعد تشكيل الحكومة الجديدة (المحصور دورها بهذا السيناريو)، من المتوقّع أن تنشط مجدّداً الاجتماعات مع صندوق النقد الدولي ممّا قد يتيح لهذه الحكومة أن تحصل على بعض الدعم الذي سيؤجّل الانهيار وقد يؤمّن بعضاً من كلفة تشغيل المنظومة الزبائنية.
سياسيّاً: قد يبدو منطقياً أنّ أحد شروط نجاح هذا السيناريو هو ابتعاد حزب الله عن الواجهة، براغماتيًا وتكتيكيًا، «لمساعدة» الحكومة الجديدة على الحصول على مساعدات أجنبية. وهذا الابتعاد لن يلغي حقيقة أنّ الحزب هو الذي يمسك بزمام القرار السياسي في لبنان.
اجتماعيّاً: بيد أنّ الحالة الأصعب ستكون على الصعيد الاجتماعي، حيث من المتوقّع أن يشهد لبنان هجرةً كبيرةً قد تتخطّى كلّ الأرقام المرجّحة. كما ستستمرّ المطالبات الشعبية التي تولي الأولوية للقضايا الحياتية كالفقر والتضخّم و الكهرباء والصحة والبيئة.
أمنيّاً: قد يتحوّل دور الجيش تدريجياً إلى دور «الشرطي» في مواجهة التظاهرات من جهة، والوضع الأمني المتفلّت في جميع المناطق، من جهة أُخرى. وقد نشهد، بالتالي، «عسكرة» للمجتمع اللبناني مع كلّ ما يعني ذلك من تضييق على الحريات التي تضاعفت وتيرتها مع ثورة 17 تشرين.
ليس سيناريو «شراء الوقت» مجرّد خيار فُرض على منظومة الحكم في لبنان لأسباب بدأت في 17 تشرين، بل هو أيضا خيار ستحاول المنظومة أن تستفيد منه ببراغماتيّة عالية للحصول على الأموال لمواجهة ثورة 17 تشرين وانفجار 4 آب. لكنّ هذه الخطة لن تكون إلّا مدخلًا للانهيار الكبير في البلاد، وإن دلّت على شيء، فهو أنّ حكام هذا البلد مستعدّون للذهاب أبعد من ذلك بكثير لاستمرارهم في الحكم، حتى وإن كان ذلك على حساب تدمير لبنان اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً.
ضمن هذا الخطّة، يأتي تعيين سفير لبنان في ألمانيا كرئيس لحكومة «شراء الوقت». لذا، من الضروري منعه تشكيل هذه الحكومة، ورفض إعطائها أيّ فرصة للولادة أو نيلها الثقة، وذلك عبر العودة إلى الشارع بزخم وقوّة أكبر من 17 تشرين.