تحليل إسرائيل
نبيل الخوري

معضلة الدبلوماسيّة الإماراتيّة

12 نيسان 2022

نجحت الإمارات العربية المتّحدة في تعزيز مكانتها على الخريطة الشرق أوسطية. ولهذا النجاح عوامله:

الإمكانات المالية، الموارد النفطية، السياسة الدفاعية، التحديث الداخلي، التنويع الاقتصادي، الاستثمارات المختلفة، التعاون والشراكات الاقتصادية والتجارية الدولية المتعددة الاتجاهات (مع لاعبين متناحرين على الساحة الدولية)، دبلوماسية المضائق، الرغبة في «تصفير» المشاكل مع دول الجوار، محاولة الاضطلاع بدور الوسيط في (بعض) النزاعات الدولية.

جعلت كل هذه العوامل من الإمارات قوةً إقليميةً صاعدةً ومؤثّرة. لكنّها لا تكفي لتبوُّؤ موقع رائد في الزعامة الإقليمية في الشرق الأوسط. ولهذا أسباب وعوامل من نوع آخر.


ثغرة أمنيّة

تعاني الإمارات من ثغرة أمنية لا تسهّل عليها ترجمة طموحاتها الإقليمية واستراتيجيات النفوذ والتأثير خارج الحدود. وهي ثغرة تمظهرت أكثر فأكثر منذ أن أثبت الحوثيّون، حلفاء إيران، قدرتهم على استهداف الأراضي السعودية ثم الإماراتية بصواريخ بالستية. وهذا ما يعزّز قناعة حكام الخليج بمحدودية الاتكال على الحماية العسكرية الأميركية ويدفعهم للبحث عن آليات وطرق أخرى لضمان أمن بلادهم واستقرارها وازدهارها الاقتصادي، إلّا إذا عادت واشنطن وقدّمت ضمانات جديدة وفعليّة لحماية أمن تلك الدول الحليفة، ولردع أي تهديد حوثي أو إيراني، كما يدعو البعض في مراكز أبحاث غربية.


مشكلة الزعامة الإقليميّة

تواجه الإمارات أيضاً مشكلةً تتمثّل في كيفية الدخول إلى نادي «الزعامة الإقليمية»، المتعدّدة الأقطاب أصلاً، من دون أن تكون ملتحقة بـ«شريكها» الإسرائيلي، ومن دون استفزاز السعودية. ولا ينطوي طرح هذه المشكلة على تَحامُل. فلن يكون من السهل على الإمارات الانتقال من حالة تمتين المكانة الإقليمية إلى تأدية دور حاسم في الزعامة الإقليمية. وهي محدودية موضوعية لا تلغيها مشاركة الإمارات في اجتماعات وقمم ومؤتمرات إقليمية بمشاركة هؤلاء اللاعبين أو بعضهم، كما حصل مؤخراً في العقبة... ولا تخفي أثرها تحالفات وطيدة تنسجها الإمارات مع بعضهم.


إسرائيل «شريك» متطلّب

الشراكة مع إسرائيل، مثلاً، لها فوائدها التجارية والاقتصادية والتكنولوجية والأمنية بالنسبة للإمارات كما يقولون، ولها مخاطرها أيضاً. ذلك أنّ هذه الدولة تبقى شريكاً صعباً، متطلّباً، عنيفاً، وعبئاً أخلاقياً. هذا الكيان الاستعماري وما يمثّله من نظام «أبارتهايد» لا يستسيغ لا لَوْماً ولا شجْباً ولا إدانةً عندما ينتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان. ولديه متطلبات أمنية ضد إيران، سواء فشل أم تأجل أم نجح الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني. إلى أي مدى ستتمكن الإمارات إذاً من تحييد نفسها عن خطط وعمليات إسرائيلية أمنية محتملة ضد إيران؟ وهل ستنجح في جعل الأراضي الإماراتية بمنأى عن استخدامها من قبل إسرائيل لغايات أمنية واستخباراتية، خصوصاً وأنّ الإمارات تُعْتَبر الحديقة الخلفية للاقتصاد الإيراني وما يعنيه ذلك من وجود لإيرانيين على أرضها؟

كذلك، تبقى إسرائيل ذلك اللاعب الاستفزازي الذي يريد من شركائه وحلفائه «التأييد الأعمى» لسياسته تجاه الفلسطينيين. وهنا لا يمكن للإمارات الاكتفاء بالموقف المبدئي الظاهر والداعم لحلّ الدولتين وفق خط الرابع من حزيران 1967. فإنْ تشدّدت أكثر وكانت متطلبة مع إسرائيل، ستتوتر علاقاتها معها. وإنْ اكتفت بمواقف فضفاضة، سيُفسَّر ذلك بوصفه التحاقاً إماراتياً بسياسات دولة الاحتلال. كما هو حال السياسة الأميركية أو حتى تلك الروسية مع إسرائيل.


هل يصمد الدور «الوسطي»؟

هذه التساؤلات مطروحة بجدية في منطقة الشرق الأوسط. وتتفرّع منها أسئلةٌ أخرى أيضاً: 

هل سيصمد الدور الوسطي للإمارات، القائم على التوفيق بين شراكتها مع إسرائيل ومصالحها مع إيران؟ وكيف ستتم مراعاة طرفين متحاربين، اشتباكهما الأمني مرجح دوماً؟ بمعنى آخر، في حال حصل اشتباك إسرائيلي- إيراني، هل ستبقى الإمارات على الحياد أم ستضغط عليها إسرائيل لتكون «ملتحقة» بسياستها ضد إيران، ولو ضمنياً؟

بالطبع، الدبلوماسية الإماراتية غير ساذجة. وهي تدرك أنّ الهدنة كفيلة بتجنّب القلاقل. لكن من شأن أي اشتباك أن يعرّض أبو ظبي لضغوط من قبل الطرفين: إيران بحثاً عن التحييد الدائم للإمارات طالما أن استمالتها مستحيلة؛ وإسرائيل بحثاً عن التحاق سياسي وأمني قد لا تتفهم دولة الاحتلال حاجة الإمارات إلى تجنّبه. أما الخطر الأكبر فيتمثل باحتمال توريطها في الصراع من خلال أفعال أحادية الجانب، سواء كانت إيرانية أم إسرائيلية على الأرض الإماراتية ربما.


تجنُّب الغضب السعودي

أما بالنسبة لعلاقة الإمارات مع السعودية، فالمشكلة تتعلق بحدود الدور والقوة الإقليمية الإماراتية. أي بما هو معقول ومقبول وغير مقبول وغير معقول في نظر الرياض. يتعلق الأمر بحسابات تدفع الإمارات حتماً إلى ضرورة تجنّب ما يسمّى بالسيناريو القطري (الأزمة والحصار عام 2017). كَمَنْ يسير في حقل ألغام، تجد الإمارات نفسها مضطرة للمضي بلعب دور إقليمي بارز من دون أن يثير ذلك أي مشكلة جذرية مع السعودية، لا في اليمن ولا في سوريا ولا في أيّ مكان ومجال آخر.


التجربة اليمنيّة

ثمّة وقائع عدّة تؤكّد ذلك. يتعلق الأمر بما اعتُبِر بمثابة «غضب» الرياض من أبو ظبي على خلفية حصول تراجع إماراتي ما في اليمن، أواخر 2021، كاد يؤدّي إلى قلب موازين القوى لمصلحة الحوثيين في الميدان، في معركة مأرب تحديداً. منعاً للتصعيد، تراجعت أبو ظبي. وانخرطت مجدداً وبشكل فعّال وحاسم في معركة مأرب ضدّ الحوثيّين الذين تراجعوا، فاستشاطوا غضباً وقرروا معاقبتها من خلال استهدافها بقصف «باليستي» مؤخراً.

اليوم، ثمة دور إماراتي بشأن ملف اليمن، لا يمكن للسعودية تجاهله بل هي بحاجة إليه. لكن لا يمكن لهذا الدور أن يتخطى الحدود المقبولة سعودياً. هذه المعادلة القائمة عملياً على الحاجة المتبادلة بين الطرفين في اليمن، تكرّست في محادثات الرياض مطلع نيسان 2022، التي أنتجت تسوية وتغييراً سياسياً في ما يسمى بالسلطة الشرعية هناك، لكنها لا تزال بعيدة عن إنتاج حل نهائي ودائم للصراع اليمني.


مجازفة إماراتيّة في سوريا؟

الميدان الآخر الذي لا تستطيع الإمارات التقدّم فيه كثيراً إن كان يثير نقمة السعودية، هو الميدان السوري. هناك من يعتبر أن انفتاح الإمارات على بشار الأسد من دون مباركة أميركية وقبول سعودي هو مجازفة كبيرة. وهناك من يشير إلى عدم تلويح السعودية، حتى الآن، بالضوء الأحمر لوقف مساعي أبو ظبي مع النظام السوري. فيُفسّر ذلك بوصفه نوعاً من الترقّب الحذر مع إمكانية الانتقال إلى موافقة ضمنية أو إلى فرض «فيتو». ربّما كان حسم الخيار السعودي يتوقّف على مدى نجاح الإماراتيين في تبديد الوهم بشأن ابتعاد الأسد ولو قليلاً عن إيران وحصوله منها على انسحاب عسكري في سوريا بما يرضي الخليجيين والإسرائيليين والغربيين معاّ.


كل هذه الوقائع والحسابات تجتمع لتؤكد تعزيز مكانة الإمارات الإقليمية، واستحالة تجاهل دورها في الشرق الأوسط. بيد أنها تُظهر بوضوح محدودية هذا الدور في مكانٍ ما، وتًسلِّط الضوء على ضيق الهامش المُتاح للإمارات في عملية صنع القرار الإقليمي.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
حدث اليوم - الأحد 24 تشرين الثاني 2024 
24-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الأحد 24 تشرين الثاني 2024 
سلسلة غارات على الضاحية 
84 شهيداً في عدوان يوم السبت 23 تشرين الثاني 2024
3,754 شهيداً، 15,626 مصاباًمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان 
المصوّرة نان غولدين في برلين: عار عليكِ يا ألمانيا