تعليق طوفان الأقصى
سامر فرنجية

حزب الله من الميدان إلى السرديّة

26 آب 2024

الحزب الذي لا يريد أن يبادر

منذ بداية الإبادة في غزة، وحزب الله يقدّم نفسه كلاعب «ثانويّ» في هذه الحرب، موقعه مساند وداعم، يردّ ولا يستنفر. على مدار أشهر الحرب الأخيرة، أكّد الحزب هذا الموقع «الخلفي» الذي ينتهي لحظة انتهاء الحرب، مسلّمًا تقرير هذه اللحظة إلى الحليف الفلسطيني. كان هذا الموقف نابعاً من ضرورة تجنُّب حرب إقليمية ومحاولة الإبقاء على معادلات الردع السابقة. كما هدف جزئيًا إلى طمأنة الداخل اللبناني، المتخوّف من حرب، حتى في شقّه الداعم للحزب.

لكن مع التصعيد الإسرائيلي المستمرّ، في ظلّ التفوّق الاستخباراتي الظاهر والذي أدّى إلى سياسة الاغتيالات، إضافةً إلى رغبة نتنياهو بإشعال حرب أوسع، بدأت قواعد الاشتباك ومعادلات الردع تتغيّر. ففتحت جبهة الإسناد التي أطلقها حزب الله، الباب أمام تصعيد إسرائيلي يحاول الحزب ضبطه قدرَ الإمكان. جاء الردّ الأخير ليحاول إعادة تثبيت قواعد تمّ خرقها مع اغتيال القيادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، لكن من المبكر تحديد ما إذا كانت هذه العملية قد نجحت في العودة إلى هذه القواعد، وهذا ما اعترف به نصرالله ضمنيًا عندما قال إذا كانت نتيجة عملية الردّ الأولي مرضية، فإن عملية الردّ تكون تمّت. وإذا لم تكن كافية، فنحتفظ بحق الردّ لوقت لاحق.  


الردّ وتفسيره

ترافق الردّ الميداني الأخير مع تفسير خطابيّ على شكل كلمة لنصرالله. يؤكّد هذا التفسير المرافِق، بمجرد حصوله، أنّ الردّ وصورته غير كافيَيْن لإقناع الداخل اللبناني، داعمًا كان أم معاديًا، أو الرأي العام الأوسع،  بجدارة هذا الردّ، خصوصاً وأنّ قسماً من الرأي العام المُعَبّأ كان يترقّب ردّاً أخذت توقّعاته أحجاماً أسطورية. هكذا انتقل السجال الدائر حول الردّ وشكله إلى سجال ما بعد الردّ حول مدى نجاحه أو فشله. ثمّ جاء خطاب نصرالله كالمرحلة الثالثة من الرد الميداني ذي المرحلتين، ليكون موجَّهًا ضد الدعاية الإسرائيلية وضدّ مَن شكّك بالردّ في الداخل اللبناني. 

لكن أن يحتاج الردّ الميداني إلى تفسير لكي تتّضح معالمُه وآثاره، ما هو إلا إشارة إلى معضلة الحزب الحالية. فاستهداف بعض القواعد العسكرية والاستخباراتية بصواريخ الكاتيوشا والمسيرات، لم يقدّم صورة كافية للردع، ولا يبدو أنّه غيّر في الميدان. فبدا الطابع العسكري للردّ سجالياً، أي أنّ الردّ العسكري لم يهدف إلى التغيير بمجرى العمليات العسكرية بقدر ما شكّل إشارةً إلى قدرات الحزب واحترامه قواعد اللعبة لتفادي حرب أوسع. بهذا المعنى، جاء الرد العسكري شبيهًا بفيديو الأنفاق الذي أصدره حزب الله قبل عشرة أيام، بكونه رسالة حول الإمكانيات أكثر مما هو تغيير لواقع الاشتباك بحد ذاته. وهذه هي الرسالة التي دأب حزب الله على إرسالها منذ بداية العدوان، للابتعاد عن احتمال اندلاع حرب لا يريدها. وهذا لم يكن ضمنيًا، بل أكّده نصرالله عندما أراد إغلاق «ملف الضربة» معلنًا أن لبنان في المرحلة الحالية يمكن أن يرتاح.


السرديّة وجمهورها

لسياسة الرسائل إسمٌ هو السردية، وهي عبارة استعملها نصرالله عدّة مرات في خطابه. فكان لافتاً أنّ نصرالله انتقل، بعد خطابات تهدّد بالميدان، إلى السردية التي باتت أرضية المعركة الجديدة. وفي هذه المعركة، لا يواجه نصرالله «سردية العدو» وحسب، بل إعلاماً لبنانياً وعربياً اعتبره متواطئًا معها. فمن باب السردية، عاد نصرالله إلى جبهته الداخلية لكي يؤكّد ضمنياً، خطاباً بعد الآخر، أنّ هناك معركة داخلية قادمة أو ثمناً في الداخل سيطالب به بعد انتهاء الحرب. الميدان عنوان الحرب مع الخارج، السردية عنوان الحرب مع الداخل. 

لكنّ الاتّجاه نحو السردية هو إشارة إلى انسداد أفق الميدان. فمنذ دخول حزب الله معركةَ الإسناد، لم يكن واضحًا أفق معركة كهذه. فالقرار اتُّخِذ قبل معرفة مدى الحرب الإسرائيلية، وكان يهدف إلى رفع بعض الضغط عن الجبهة في غزة. لكن مع الوقت، تبيّن أن هذه الحرب لن تنتهي سريعًا، وما مِن أفق لحلّ دبلوماسي. كما بات واضحًا أنّ أيّ تخفيف بسيط للضغط عن غزة يتطلّب ثمناً باهظاً من الحزب، ليصبح أفق الميدان هو مجرّد الصمود حتى بلورة حل في غزة وتأمين وجود إقليمي على طاولة التفاوض. يأتي الانتقال إلى السردية هنا لكي يحاول التغطية على انسداد الأفق الميداني، وبداية فقدان غاية الدعم الذي تقدّمه «جبهة الإسناد». بهذا المعنى، باتت المعضلة التي يشكّلها الحزب على البلد معضلة داخلية، تتسلل إلى داخل منطقه، الميداني والسردي في الآن نفسه. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان
قتيل بصواريخ حزب الله على نهاريا 
 أعنف هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية أكثر من 68 قتيلاً في غارات تدمُر