تحليل مونديال 2022
بول الأشقر

نحن وأحزاب المونديال

5 كانون الأول 2022

قصّة هذا النص مهضومة: كُتِبَ في كانون الأول من عام 2014 بعد مونديال البرازيل الذي انتهى بصفعةٍ لم أستوعبها بعد. إنه جزءٌ صغير من نصٍّ أطول يحمل عنوان «التجهّز لتسييس حيوية المجتمع». بعد كتابته، حصلت أحداث كبيرة في لبنان وفي أوساطنا: حراك النفايات عام 2015 وانتفاضة تشرين عام 2019 والانتخابات البرلمانية هذه السنة. إعادة قراءته قبل مونديال قطر كانت مناسبة لنتذكر ما فشلنا (بعد؟) بالقيام به. أربع سنوات بعد أربع سنوات، يعود المونديال ونتوقف عن أي شيء لمتابعته... فليكن أيضاً مناسبة للتأمّل بأوضاعنا... قبل مونديال 2026، هل ندرك تحدّي بناء الفريق وتسجيل الهدف؟


لا يوجد صورة أفضل من أحزاب «المونديال» لتوضيح ما نصبو إليه

أن نكون «حزباً» جماهيرياً لا نخبوياً، أي، حزب يفهم التأثير على النخب نتيجة تكوّن الرأي العام، وليس العكس. العكس هنا يعني أن نجمع النخب كخطوةٍ أولى للتأثير على الرأي العام من بعد، كما يحصل مع الأحزاب النخبوية التي يعرفها الواقع اللبناني والتي لا «تنتقل» أبداً إلى الأرض. إنّ طبيعة «الأرض» اللبنانية تفترض تواجداً «على الأرض» لكي تسلك الأفكار النخبوية الإصلاحية، وإلّا، تتحوّل النخب– شاءت أم أبت– إلى خَدَمٍ لما هو قائم أو إلى حائط مبكى (أو صراخ) ضدّ ما هو قائم. وتتحوّل أفكارها إلى لقمة يسهل بلعها لمن يريد افتراسها أو تعطيلها. في كل الحالات، لن تسلك الأفكار الإصلاحية من النخب من دون ميزان قوى «على الأرض». وأرض حركتنا لن تحتكر (أو تحتكرها) طائفة أو قضاء أو مهنة أو جيل، لا اليوم ولا الغد. بل ستخرقهم وتنوجد منذ البداية على كافة أراضي الوطن والمجتمع. هكذا نتصوره، حزباً خارقاً مثل أحزاب المونديال.
أن نكون حزباً منفتحاً لا منغلقاً. ترقّبوا الآليات داخل أحزاب المونديال، إنها تعنينا: فيها، لا يسأل الواحد الآخر «من هو الفريق الذي تشجعه في الدوري اللبناني»، فالموضوع قد يكون مادّة خلاف عميق بينهما وقد يؤدّي إلى انفراط عقد الحزب الكروي. على الأقل خلال فترة المونديال، يتجاهل أعضاء «الحزب» تلقائياً هذا الخلاف ولا تدور حوله نقاشات ولو جانبية. وخلالها أيضاً، لا يسأل أعضاء حزب المونديال بعضهم بمن سيلتحقون (إذا لا سمح الله) هُزِم فريقهم، وإن فعلوا، سيحترم كل واحد «الخيار الثاني» لكل واحد منهم أياً كان. «حزب» بالتالي ليس له أمين عام وبالتالي لا ينطقون كلهم (أو يحاولون) النطق مثله. أعضاؤه ليسوا نسخة طبق الأصل بعضهم عن بعض، ومن الصعب معرفة هويّتهم إن لم يرتدوا قمصانهم وأعلامهم. هم آتون من مصادر مختلفة والحزب يقبلهم كما هم، على تنوّعهم ووحدة هدفهم. إنه حزب مبدئي ولكنه في الوقت ذاته نقيض الحزب العقائدي.


 لكن حذارِ هناك فوارق أساسية (وشاسعة) تميّزنا عن أحزاب المونديال

الفارق الأول هو في التموضع. سبق وقلنا أنّنا في حزبنا الكروي، بعد أن نخسر (وهذا وارد للأسف في عالم الواقع) نحترم كل الخيارات الثانية لأعضائنا أياً كانت، والأصح أنّنا لا نبالي. أما في حزبنا السياسي، فالأمور تختلف: قبل أن نخسر ولكي نربح في لبنان، علينا أن نكون «الخيار الثاني» لكل الفرق الأخرى. خصوصاً، إذا كانت كل الفرق الأخرى، طائفية أو مناطقية، أو وحيدة الجانب، فعلينا نحن الفريق اللاطائفي واللامناطقي أن ننجح في التعبير عن طموحاتها المقبولة وعن المصالح المشتركة التي تجمعنا معها. سيتطلّب منّا جهداً إضافياً ولكنّها ميزة من المفترض أن ننفرد بها دون غيرنا: القدرة على تفهّم مخاوف الآخرين وصياغة التكتيكات الملائمة للجواب عليها ولطمأنتهم. فقط هكذا ننجح في أن نكون «الفريق الثاني» لكل الأحزاب الأخرى المشارِكة معنا بمونديال السياسة.
 الفارق الثاني هو في التوقيت. أحزاب المونديال تطلّ كل أربع سنوات، ترفع أعلامها، تؤدي مهمّتها ثم تعود وتختفي خلال 4 سنوات، والأصحّ، تعود إلى حالة افتراضية لا تستفيق (جزئياً) منها إلّا في مناسبات كروية أصغر من المونديال. أما نحن، فإطلالتنا لا تستطيع أن تكون ظرفية ولا حتى دورية. متى أطلّينا، لم يعد وارداً التراجع أو الانزواء، بل على إطلالتنا أن تكون ثابتة ودائمة. بعكس أحزاب المونديال التي لا تلتقي إلّا على فكرة واحدة وبمناسبات محدّدة، علينا أن نتدخّل في كل شؤون وشجون الحياة اليومية، من أصغرها إلى أكبرها. هذا هو النقص الكبير الذي نعاني منه. ندّعي السياسة ولا نمارسها، مكتفون بتسجيل مواقف أخلاقية. وإذا اكتفينا بها، لا نستطيع أن نتحوّل إلى رقمٍ صعبٍ وعنصرٍ في المشهد الدائم، وهو الشرط الضروري لكي يتعرّف علينا ويشجّعنا الجمهور الأوسع.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان
قتيل بصواريخ حزب الله على نهاريا 
 أعنف هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية أكثر من 68 قتيلاً في غارات تدمُر