جاء مسلسل كارثة المرفأ ثمّ زيارة الرئيس الفرنسي ومن بعدها تظاهرة الانتقام، ليقضي على حكومة العهد، وربّما على العهد بأكمله. فبعد هذا الأسبوع الطويل، بات واضحًا أن السلطة فقدت شتّى مصادر شرعيتها، الداخلية منها والخارجية، لتصبح اليوم حكومتها مستقيلة، حتى ولو تمسّك حسّان دياب بمنصبه وإنجازاته. دخلنا اليوم مرحلة انتقالية، كما يؤكده مسلسل الانشقاقات والاستقالات المتتالية، مرحلة عنوانها الفضفاض «حكومة انتقالية»، وإن كانت لا تُختصَر بتغيير حكومي.
لا تعني بداية المرحلة الانتقالية أن «الثورة» انتصرت أو أن «النظام» سقط. فالقوى السياسية الداعمة للعهد لم تردّ بعد على أحداث الأسبوع الفائت، إذا استثنينا الضحكة الصفراء لنصرالله والدردشة الصباحية لعون واعتقالات مخابرات الجيش العونية. بيد أن السلطة ليست الطرف الوحيد الذي يواجه تحدّياً سياسياً، فالقوى المعروفة بـ«الثورة» تواجه أيضًا هذا الوضع السياسي الجديد، ما يتطلب إعادة تنظيم للصفوف والخطاب، لكي لا تنتهي «الثورة» كلاعب هامشي، أو كمجرّد جسر لبعض المستوزرين من هنا وبعض الفقاعات الإعلامية من هناك.
أوّلاً، لم ينتهِ الصراع مع السلطة بعد تظاهرة السبت، بل دخل طورًا جديدًا قد يكون أكثر عنفًا من الذي شهدناه بالماضي. فالثورة تواجه اليوم «حالة طوارئ»، وبالتالي تركيبة المؤسسات الأمنية وأحزاب السلطة التي لن تسكت على سقوط حكومتها. فالضغط في الشارع هو السلاح الأساسي في هذه المرحلة، حتى ولو أخذ أشكالًا مختلفة عن التظاهرة المركزية التي اعتدنا عليها. فإذا كان هناك درس تنظيمي من عمليات الإغاثة التي شهدناها في الأيام الماضية، فهو أن التنظيم المحلي والعمل غير المركزي قد يشكّلان الاتجاه الأكثر صوابيّةً في المرحلة القادمة.
ثانيًا، بات هناك دور أساسيً للبنانيّي الخارج لكي يشاركوا في عملية محاصرة السلطة دوليًا. فقد بدأنا نشاهد بعض الاقتحامات لسفارات لبنانية ونزع صورة عون عنها ومطالبات لاستقالة سفراء العهد. ولكنّ الأهم قد يكون في ضغط اللبنانيين على الحكومات لمنع تمرير المساعدات من خلال السلطة اللبنانية، وابتكار طرق مختلفة لتوصيل المساعدات للناس. فهناك معركة أساسية عنوانها منع تحويل عملية الإعمار إلى منفذ للسلطة الحالية، وهي معركة ستخاض في الخارج وللجاليات دور أساسي فيها.
ثالثًا، هناك مسألة التحقيق في كارثة الانفجار. فمحاولة حصر التحقيق بمؤسسات الدولة دفاعًا عن سيادة مهترئة هي محاولة لتفادي أي تحقيق فعلي بالحادثة، أكان لأسباب أمنية أو زبائنية. وبالرغم من معرفتنا للخطوط العريضة لهذه الحادثة، بات من الضروري مقاومة خيار التحقيق المحلي، لمنع السلطة من استغلاله. بيد أنّه هذه المرة، لن ننتظر نتائج التحقيق لاستنتاج مضمونه السياسي.
رابعاً، يبقى السؤال الأساسي اليوم هو عن شكل المرحلة الانتقالية. وهو سؤال عن طبيعة ما انتهى واتجاه عملية الانتقال هذه. فتصاعُد طرح «الحكومة الانتقالية» على حساب طرح الانتخابات المبكرة الذي قدّمته الحكومة، يحتاج إلى تحديد لمحتوى ومضمون وعضوية هذه الحكومة. فالأولوية اليوم هي تحديد الخطوط العريضة لتلك المرحلة كي لا تكون مجرّد انتقال من حكومة إلى أخرى، وتشكّل بداية سيرورة تغيير لأسس النظام. فمسائل كتوزيع كلفة الانهيار أو طبيعة العقد الاجتماعي الجديد أو مسألة السلاح وغيرها من الأمور باتت اليوم مطروحة على طاولة «حكومة انتقالية» لم تلد بعد، ولكنها تشكّل أفق الحركة السياسية القادمة.
بات اليوم للثورة أفق سياسي واضح، يمكن الانتظام من حوله. لكن هناك دائمًا الخيار المجنون، خيار السلطة بالهروب إلى الأمام من خلال اتّباع سياسة قمعية تحوّل لبنان كله إلى «عنبر رقم 12». حتى لو قرّرت السلطة الهروب من خلال هذا الخيار، تبقى مسألة التنظيم واضحة، وتصبح بكل بساطة تنظيم المقاومة.