كتيبة المساطيل
ربّما لم يريدوها كذلك. كانوا قد فضّلوا لو اعتُبِر الأمر مجرّد حادث عابر، ناتج عن عملية تلحيم غير موفقة قام بها عامل ذو ميول إسلامية، أو عن الإهمال والفساد الذي اشتهرت به الإدارة اللبنانية.
حادثٌ عابرٌ، كالحرائق الصيفية أو الطوفانات الخريفية، حادث بين مسلسل الأحداث التي انهالت على البلاد منذ سنتين، أحداث لا أحد مسؤول عنها، لا أحد يحاسب عليها… مجرّد حدث عابر آخر… هكذا أرادت كتيبة المساطيل أن تقنعنا.
فهم لم يكونوا يعلمون. واحد نسي ما وقّع عليه، والثاني لم يجد تفسيرًا مقنعًا على غوغل، والآخر لا يعتبر أن مسؤولية الوزير أن يعرف ما هو النترات. وهناك بحر من المراسلات تبرهن أن الجميع علم وراسل الجهات المعنية حسب الأصول. فلماذا كل هذا الغضب: قلنا لكم أنّنا مساطيل غير كفوئين، فماذا تريدون أكثر من ذلك؟
كتيبة السَّفَلَة
لكن لم يكفِ هجوم المساطيل لصدّ الغضب. فاستدعوا كتيبة السّفلة.
بدأوا بتحقيق كان يراد منه أن يكون شكليًا. لكن حتى الشكليّات ترعبهم. فأقالوا قاضي التحقيق بسبب ارتيابهم المشروع. عينوا قاضيًا آخر، واثقين بأنّه فهم الدرس. لكنّه لم يفهمه، أو فهمه أكثر من اللزوم، فوسّع دائرة الشبهات، لتطال النظام بأكمله. ساد الرعب بينهم. بدأت الأمور تفلت من أيديهم.
حاول وزير الداخلية أن يصدّ هجوم القاضي، فانتهى خارج منزله. وفي أيام العيد، حاولت كتيبة السفلة، أو ما بات يعرف بنواب النيترات، أن تتسلّل إلى التحقيق وتحوّله إلى هيئة غير موجودة، ريثما تقضي عليه هناك، في أروقة «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء».
لكنّ التسلّل انكشف. لم يدُم الهجوم لأكثر من بضع ساعات. فسقط بعض النواب ومعهم عريضة العار.
كتيبة الجدّ
لم يعد يكفي التلاعب مع التحقيق. حان وقت الجدّ. دقّت ساعة الحرب.
فتذكروا مرشدهم الذي كان قد أطلق إشارة الحرب مبكراً ضد التحقيق. صاح أحدهم، الظلم أقسى من الموت، ليؤكّد أن الحرب على التحقيق عابرة لأي اصطفاف سياسي. فبدأ الهجوم على الناس، بدأ القصف العشوائي. فاستنفر مجلس النترات مطالبًا القضاء بوجوب التحرّك لوضع حدّ لهذه الإساءة الموصوفة لمهمته ولمنطق القانون والعدالة. فالعدوّ هم الناس، وعليهم أن يخرسوا.
لم يكفِ هجوم المجلس، فجاء المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية، لكي يكرّر المقولة المعتادة عن التسييس والضغط على محوره العفن. غير أنّه هذه المرّة ما من محور مقابل، هناك مجرّد شعب: ركّبوا صوراً بشعة لبعض الأشخاص أمام الشعب، وأرادوا أن يضحّوا بهم ليفرحوا الشعب… المشكلة هي الشعب الذي لم يعد يحترم مقام السياسيين، هكذا استنتج صديق بشار الأسد.
بدأت الحرب
لم تسقط الحصانات، ولكن سقطت كذبة 4 آب، أي كذبة أنّ هذا التفجير مجرّد حادث يمكن لهذا النظام إعلانه يوم حداد وطني. بات من المستحيل أن يتعايش هذا النظام، مع أي تحقيق، مهما كان شكليًّا أو صوريًا. فمن المستحيل لهذا النظام أن يقبل بمساءلة من الناس، وهو الذي اعتاد على الإفلات من أي محاسبة، منذ انتهاء الحرب الأهلية إلى اليوم.
فهموا معنى 4 آب، فأرادوها حربًا.
فهموا جيدًا معنى حقيقة 4 آب. فهي ليست فقط حقيقة مَن لحَّم ومَن راسل. بل أصبحت حقيقة مَن أدخل النترات وتستّر عليه وفجّر العاصمة ومن ثمّ حاول تحميل أهالي ضحايا الانفجار مسؤولية تسييس التحقيق. أصبحت حقيقة مَن خاض الحرب الأهلية وأنهاها بسلم مزيف، أصبحت حقيقة من نهب البلاد وما زال يحاول أن يستثمر بالأزمة، أصبحت حقيقة من قتل وحرّض وما زال يستغل العنف في السياسة… فهموا هذا كله جيدًا، فأعلنوا الحرب.
الحرب ليست على 4 آب فحسب، بل علينا جميعًا.