– في نقاش إنّو… المودعين رح يتحمّلوا الخسارة. – ما في حدا ربحان بلبنان. نحنا اللي مرقنا فيه، كلنا خسرانين. …… – قديش ثروتك دولة الرئيس؟ – اليوم بالوضع بلبنان، كلياتنا بالهوا سوا. ما بقى في ثروة، ولا بقى في حدا يحسب ثروة.
مقابلة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ضمن برنامج «مع جيزال» على «سكاي نيوز»
صباح الخميس، استمعتُ إلى مقابلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الإعلاميّة جيزال خوري. كنتُ عائداً للتوّ من المصرف حيث وقّعتُ بعد تردّد طويل على موافقتي لسحب وديعتي وفق التعميم .158 رغم حصولي على دفعة من الوديعة التي كنتُ قد اعتقدتُ أنّها تبخّرت تماماً، شعرتُ بحسرة لأنّي نفّذت تعميم رياض سلامة. بتوقيعي، ها أنا أقوم بالهيركات على نفسي. الهيركات الذي أسماه سلامة بالـ«طوعيّ»، مبرّئاً نفسه والمصارف من فرضه.
لكنّ حديث رئيس الحكومة أخرجني من تلك الحسرة. فما جرى في السنوات الأخيرة يجعل منّا «كلّنا خسرانين»، وها أنا ونجيب بِتنا «بالهوا سوا»، كما يقول. شخصان من الطبقة ذاتها تعرّضا للخسارة ذاتها. ما أصابني إلا ما أصابه. لكن، مهلاً يا نجيب. قبل أن نتهوّر بعواطفنا، وندخل أنتَ وأنا في الخوش بوش، علينا أن نتذكّر فارقاً مهمّاً بيننا مقداره، بحسب تقديرات فوربس، 2.8 مليار دولار.
لن أتورّط في تخيّل ما يعنيه هذا الرقم. لكنّي أستطيع تخيّل قصر اشتريتَه في موناكو. قرأتُ قبل أيّام عن شركة أسّستَها في أحد الملاذات الضريبيّة، كي تشتري القصر من دون أن تدفع ضرائب ملائمة. لكنّي طردتُ صورة القصر من رأسي. قد لا يكون قصراً أصلاً. ربّما كان مجرّد عقار، باركينغ في موناكو. وكما قال نجيب في ختام تلك المقابلة، «الحمدلله، قُل أعوذ بربّ الفلق».
أعرف، يا نجيب، أعرف أنّك حين قلت «بالهوا سوا» كنتَ تقصدها بالمعنى المجازيّ. فأنا، مثلاً، أملك قرضاً سكنياً. وأنت، على ما يبدو، لديك القرض السكنيّ نفسه، واحداً من تلك القروض المدعومة من مصرف لبنان. لكنّ الفارق، يا نجيب، أنّك اشتريت 10 شقق لا شقّة واحدة، وأنّ شققك تطلّ على نادي اليخوت في بيروت، وأنّ قيمتها تصل إلى 34 مليون دولار. يقولون إنّك خالفتَ القانون الذي يحدّك بقرض مدعوم واحد. يسمّون ذلك «إثراء غير مشروع»، وتسمّيه أنت «حَوْكَمة رشيدة». فسواء كنتَ تشتري في موناكو أو في بيروت، أنتَ تؤسّس الشركات لتشتري باسمها وليس باسمك. وكما تقول أنت، دفاترك مفتوحة. وكما يقول ابنك، «كلّه قانونيّ».
على سيرة القانون، سمعتك تقول في المقابلة نفسها إنّه لا يجوز أن يمثل السياسيّون أمام القضاء. عليهم أن يمثلوا أمام محكمة خاصّة، أسوةً بالعسكريّين الذين يحاكَمون في المحكمة العسكرية. فكرة عبقريّة. حبّذا لو صنعنا محكمةً خاصّةً لكلّ فصيلٍ خاصّ. محكمة خاصّة للسياسيّين، محكمة للضفادع، وأخرى لعصافير التاسو. تصوّر، يا نجيب، قلّة الأدب حين استدعوك للتحقيق في قضية تلك الشقق. تخيّل سياسيّاً كنهاد المشنوق يُجرجَر إلى القضاء الآن، بينما نجح في تفادي أيّ استجواب حين أطلق ضبّاطُه النار على المتظاهرين في 2015 يومَ كان يلهو فوق جزيرة ميكونوس. تخيّل سياسياً مثل علي حسن خليل يخضع للاستجواب الآن، وهو الذي لم يتجرّأ أحد على مساءلته بعد إطلاق موكبه النار على المتظاهرين خلال منعهم انعقاد جلسة الثقة لحكومة حسان دياب. حسن خليل ليس سياسياً فحسب، بل وزير مال من الطراز الرفيع بقي حتى اللحظة الأخيرة يعدنا بأنّ الليرة بخير.
ما لنا وهذه الذكريات. فكما تقول يا نجيب، «كلنا خسرانين». فعلاً. لكن هناك على ما يبدو مَن ربح. بعض أصحاب النفوس الضعيفة يلمّحون إلى ابنك، وهو بالمناسبة غير ابن شقيقك الذي كان يتولّى مهمّة تأمين المشتريات من الخارج لأسماء الأسد حين كانت المدن السوريّة تدمَّر فوق رؤوس أهلها. يبدو أنّ ابنك هذا، وشركة «أريبا» التي يديرها، لم يكن من الخسرانين. فقد استحوذت «أريبا» المتخصّصة بالدفع الإلكتروني على أموال دُفِعت ببطاقات الدولار الفريش وأعطت مقابلها ليرات وفق سعر الصرف الرسمي.
«كلنا خسرانين»؟ يمكن. لكن كانت هناك خطّة للتعافي المالي تحاول أن تحمّل أصحاب المصارف بعض أعباء هذه الخسارة. تبخّرت الخطّة يا نجيب. وكان صديقك ومستشارك نقولا نحاس يمسك بيد ابراهيم كنعان في لجنة المال والموازنة النيابية التي طيّرت الخطّة. كانا يُتَمتِمان أرقاماً عن الخسائر، وعن فضائل «الحَوْكمة الرشيدة».