تعليق طوفان الأقصى
سينتيا سليمان

إلى الصحافي نضال الوحيدي

عن رحلة الصداقة واكتشاف الذات والدفاع عن فلسطين

30 تشرين الثاني 2023

هذه المقالة رسالة شكر، أضعها في البحر لعلّ الرياح تحملها إلى الصديق نضال الوحيدي الذي فُقد أثره في السابع من تشرين الأوّل. هو مَن ساعدني على رؤية جانب آخر لم أكن أعلم بوجوده عن القضية الفلسطينية، وعن غزّة ومن يعيش فيها، على طول صداقتنا التي استمرّت لأكثر من عشر سنوات، وستستمر. إليك هذا الامتنان.

نضال المصوّر الصحفي الغزاوي مؤسس منصة نيوبرس الاخبارية التي تعنى بالشأن الفلسطيني، والذي عمل أيضاً كمصوّر صحفي مع العديد من الوسائل الإعلامية والمنظمات ضمن عدة مشاريع تصويرية. منذ السابع من تشرين الأول، فُقد الاتصال به، ومع زميله هيثم عبد الواحد، أثناء تغطيتهما التطورات قرب حاجز بيت حانون/إيرز، شماليّ قطاع غزة، من دون معلومات أكيدة عنهما حتى الساعة.


منذ اللحظة التي ولدت صداقتي مع نضال اكتشفت كيف نُغلَّف في سجن من المعتقدات والقيم والتقاليد التي شكلتها مجتمعاتنا منذ الولادة، حيث تغرس فينا معايير تحدد رؤيتنا للعالم. نتعلم أن نتوافق مع هذه المعايير، دون التشكيك فيها أو النظر في وجهات نظر أخرى. هذه التلقينات التي قد توفّر لنا شعورًا بالانتماء والأمان، يمكن أن تقيّد نمونا الشخصي وتفكيرنا النقدي. نصبح محاصرين في سجون، حيث تظل وجهات نظرنا محدودة بحدود تربيتنا.

بدأ طريق التحرّر من هذا الحبس الذاتي بالنسبة لي عندما علّمني نضال تحدي الافتراضات التي قبلتها دون وعي، والتشكيك في الأعراف التي اتّبعتها بسلبية. ساعدني، في الانغماس في وجهات نظر متنوعة، والخوض في حوارات ذات مغزى مع أولئك الذين لديهم معتقدات وتجارب مختلفة. رحلة اكتشاف الذات هذه ليست بلا تحديات، فالأمر يتطلّب شجاعة للانفصال عن المألوف ومواجهة الاحتمالية بأن معتقداتنا الراسخة قد تكون غير مكتملة. ولكن حتّى في خضمّ اختلافاتنا الصغيرة حول بعض وجهات النظر التي قد تنشأ بين الحين والآخر، قال لي بحكمة بالغة: عم نكبر، 10 سنين هي رحلة صداقة طويلة وحتى لو اختلفنا، ع طول حد بعض. من خلاله تعلمت الانفتاح على عالم من الاحتمالات، عالم لا نتقيد فيه بقيود مجتمعاتنا ولكننا نتمتع بالقدرة على صياغة مساراتنا الخاصة والدفاع عما نؤمن به، كما ساعدني على الاطّلاع أكثر على مراجع تروي السردية الفلسطينية لأبني وجهات نظري.

في لبنان، غالبًا ما نجد أنفسنا محصورين في سجننا الخاص، مقيدين بالمألوف والمعروف، بعيداً عن استكشاف آفاق جديدة وتوسيع مداركنا. يتجلى هذا الانغلاق في العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك عدم الرغبة في معرفة ما يمرّ به الآخرون من ظروف وتحديات، وعدم الاهتمام بتفهم وجهات النظر السياسية المختلفة، والاعتماد على سرد واحد للرواية التاريخية، غالبًا ما يكون مسيسًا أو متحيزًا.

في بادئ الأمر، عندما شرعت في استكشاف وجهات نظر مختلفة، شعرت بغصّة في داخلي، كما لو كنت أخون معتقداتي الراسخة. لقد اعتدت على رؤية الأمور من منظور ضيق، محصور ببيئتي الضيقة، دون أن أسمح لنفسي بالتعمق في أعماق التجارب المختلفة.

لكن نضال دفعني إلى الخروج من سجني الذاتي، وخوض غمار البحث والقراءة، والسعي للقاء أشخاص من خلفيات مختلفة، سواء من سوريا أو فلسطين أو غيرها من البلدان. كنت أرغب في سماع قصصهم، وفهم تجاربهم، والتعرف على وجهات نظرهم تجاه الحياة والأحداث المحيطة بهم. بعدها شعرت بجدار الجهل يتهدّم، وبأفقي الفكري يتسع. اكتشفت أن العالم أوسع وأكثر تعقيدًا مما كنت أعتقد، وأن هناك روايات متعددة لكل قصة، وأن الحقيقة ليست حكراً على أحد.

أدركت أن الانفتاح على وجهات النظر المختلفة ليس خيانة للمعتقدات، بل هو إثراء لها وتوسيع لها. إنه وسيلة لفهم الذات وفهم الآخر، ولبناء جسور التواصل التي يمكن أن تساعدنا على تجاوز الانقسامات وتحديد الأولويات.

تعلمت من صداقتي مع نضال أن الخروج من السجن الفكري ليس بالأمر السهل، لا يجب أن نتردد في التعبير عن آرائنا، حتى عندما تكون غير شائعة أو مثيرة للجدل. يجب أن يكون لدينا الشجاعة لتحدي الظلم، والتحدث علانية ضد الظلم، والدفاع عن فلسطين وغزة وكل مظلوم في العالم.


آخر الكلام، في خضم دوامة حياتنا المتسارعة، خضت مع نضال غمار محادثات لا تنتهي، نغوص فيها في أعماق ما يحيطنا من أحداث، وكيف في الفترة الاخيرة كنت أتصرف حيالها، وكيف أشعر بالارتباك الذي يلف كياني. في كل مرة، كان يشدد على تواجده الدائم بجانبي. في هذه اللحظة، أكثر من أي وقت مضى، أغمر نضال  بفيض الشكر على دعمه الثابت الذي لا يلين، والذي ظل يرافقني عبر السنين. سأظل أردد اسمك في كل لحظة، لن أتوقف بالحديث عنك، ننتظر بشوق عودتك انت وهيثم والاطمئنان عنكما، لتكملا معنا رحلة الصداقة والمقاومة التي لا تندثر.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
نتنياهو يهدّد المحكمة الجنائية وكل من يتعاون معها
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
21-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
25 شهيداً في عدوان يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024
3,583 شهيداً، 15,244 مصاباً
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 21/11/2024
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة