إسمي حمار. هكذا، ببساطة، أراد رجال المخابرات الذين خطفوا سامر مازح من شارع الجميزة أن يجيبهم عند سؤاله عن اسمه. يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه مستلهَم من لعب صبياني، إذ يردّك الحمار مباشرةً إلى زمن الشتيمة البريئة، زمن عالم الحيوان، ما قبل شتيمة المسّ بالعرض والشرف. قد يبدو الأمر كذلك لولا تلقّي سامر الصفعة تلو الأخرى لتمسُّكه بالإجابة «إسمي سامر». انتهى به الأمر بعد الضرب إلى الإجابة إسمي حمار. تهمة سامر: شتم رئيس الجمهورية. وكذلك كانت تهمة خلدون جابر الذي تحدّث عن تعرُّضه لترهيب نفسي وإهانات نفسية، إضافةً إلى الضرب، بعد سحله على الأرض أمام مظاهرة على طريق القصر الجمهوري كان يهتف فيها مع المعتصمين ضدّ العهد ورئيسه.
نحن أمام حملات تأديبية تهدف إلى بثّ مناخ من الهلع وإعادة رسم حدود الكلام السياسي المسموح به. مع تلك الممارسات الأخيرة، يختفي قناع الدولة الجامع أكثر فأكثر ليحلّ مكانه وجه نظام ينتقم من الذين تجرّأوا على إعلان خروجهم عن الولاء لرئيس الجمهورية بالاعتصام السلمي والبَوْح المُعلن. مَن يهتف في الاعتصامات يُجبَر تحت وطأة الصفعات على التخلّي عن اسمه وإنسانيته، قبل أن يُجبَر على ترديد ميشال عون تاج راسك؛ أربع كلمات كفيلة بخلخلة عقد المواطنة في الجمهورية اللبنانية.
يعاقَب من مسّ بهالة الأب- الرئيس بمزيجٍ من الضرب والإذلال، لقمع الروح المتمرّدة.
تاج راسك وأنا مش أد كعب صرمايته هما وجهان لعملة واحدة: نفي الرابطة الجمهورية بما هي علاقة أفقية مبنية على المساواة السياسية والحقوقية. فعلاقة الولاء العمودية لا تسمح للرعايا بمحاسبة الأب- الراعي أو بسحب تفويضهم له. لذلك، أكثر ما يؤذي تلك العلاقة هو الانشقاق الذي يفسخ عقد الولاء علناً. وما تسجيلات الذلّ التي انتشرت، وهي كناية عن اعتذارات من أمين عام حزب الله ورئيس المجلس النيابي من قِبَل مواطنين تجرّأوا على الخروج عن حدود الجماعة الحزبية، إلاّ علامة على تجريم الانشقاق ومعاقبته العلنية.
أفلام الإذلال كثيرة. أما سيناريو تلاوة فعل الندامة، فواحد: اعتذارٌ شخصي من القائد—قد يتخلّله ذكر مبرّراتٍ آنيّة للانشقاق من نوع زلّة لسان في لحظة انفعال—يصحبه تحقيرٌ للذات وإعلاءٌ من قيمة القائد، قبل تمنّي قبول الاعتذار والتأكيد على تجديد البيعة. لا يقتصر ذلّ العقوبة المسجّلة على التراجع العلني عن كلمات الانشقاق، أي كسر الكلمة وما يتضمّنه من إهانة وفقدان المتكلّم لماء الوجه، بل يكمن أيضاً في إعادة تأكيد هرمية العلاقة التي تربط الناس بأميرها. فتمرُّد الكلمات الأولى لا يكمن في الشتيمة، إذا أطلِقت أصلاً، بل في التحدّي الذي يمثّله كسر علاقة التبعية (جرأة مخاطبة القائد ندّاً لندّ ومن دون ألقاب، مثلاً). هنا تكمن ضرورة إعادة إنتاج علاقة الطاعة من خلال الاستعانة بـتاج الراس وكعب الصبّاط.
المشاركة الواسعة للقطات الذلّ تلك والتندّر عليها (قبل السحسوح/ بعد السحسوح) يخدم الأحزاب التي تستفيد من انتشار الاعتذار العلني للتحذير من تبعات الانشقاق وإشباع رغبة التشفّي لدى مواليها، بينما تُسحَل روح من امتلك شجاعة التمرّد مرّة ثانية.
لا تقتصر آليات المعاقبة على الإذلال العلني للمنشقّ الذي يعلن عودته إلى كنف الجماعة. فالمنشقة التي لا يستطيعون النيل منها شخصياً لإجبارها على الاعتذار، تتم مطاردتها على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الشبّيحة، وتقتحم حياتها الخاصة، وصولاً إلى تنفيذ عقوبة جماعية بحقّها (وتلك استراتيجية إسرائيلية بامتياز بالمناسبة) من خلال ترهيب أفراد من عائلتها لا يتحمّلون مسؤولية أفعالها ومواقفها. ذلك ما حصل مع الإعلامية ديما صادق التي تتعرّض لحملات منذ فترة، طاولت في الأسبوعين الأخيرين والدتها.
لقد أصاب رئيس الجمهورية عندما تكلم في مقابلته الأخيرة عن الاغتيال المعنوي كسلاح أساسي. إلا أنه لم يتطرق إلى من يمتلك ذلك السلاح ولا يكفّ عن استعماله بوجه من رفض الإذعان وتجرّأ يوماً على الكلام.