قامت مجموعة من الأساتذة والطلاب والموظفين المستقلين في الجامعة اللبنانية الأميركية بالتجمع نهار الأربعاء في 26 تشرين الأول للانطلاق بمظاهرة تحت شعار جامعات لبنان تنتفض. مشت هذه المجموعة من حرم الجامعة في قريطم لتلتقي بتجمّع مماثل للجامعة الأمريكية في بيروت عند شارع بليس ومن ثم بتجمعات لخمس جامعات أخرى عند جسر الرينغ قبل الوصول إلى ساحة الشهداء.
ومع كل خطوة أخذتها أقدام الطلاب والأساتذة في شوارع راس بيروت، كنا نبتعد أكثر فأكثر من حرم جامعاتنا. لم تغب عني رمزية هذه الخطوات، وهي التي تحوّل كل يوم شوارع بيروت إلى صفوف ومدارس للتعليم بعيداً من المؤسسات التقليدية للسلطة التعليمية.
اقفلت هذه الثورة الطرقات ومعها عُلِّقت الصفوف في الجامعات والمدارس اللبنانية. فالثورة لا تنتظر امتحاناً أو درساً أو فصلاً. ومع غياب أو تغييب المؤسسات التقليدية للتعليم، أعلن الثوار تحويل الشوارع إلى مدارس وجامعات، منتفضين بذلك على هذه السلطة وعلى مراكز إنتاج المعرفة التقليدية.
ولكن هذه الثورة لم تقتصر على المؤسسات التعليمية، فقد أعلن الشارع أيضا سقوط مرجعية كل وسائل الإعلام التقليدية أيضاً.
فالثوار اليوم يشككون بما يقرأونه في الصحف وينتقدون ما تبثه المحطات التلفزيونية. ففي فيديوهاتهم وتعليقاتهم على صفحات التواصل الاجتماعي، تحوّلوا هم إلى مصدر الشرعية للمعلومات والمعرفة. ومن سخرية القدر أن يشكل الواتساب أحد أهم طرق التواصل والتنظيم لهذه الثورة.
أسقط الشارع أيضاً قدسية دور العبادة كما حددتها تقليدياً المراجع الدينية، وحوّل الطرقات إلى كنائس ومساجد. فمن ساحة النور، نزل الله وجلس مع الثوار، وعلى تقاطع الشيفروليه بكت مريم العذراء مع شعبها المطالب بشفاعتها. على حيطان الأبنية، أُعلِنت الثورة على المحاكم الدينية والشرعية وارتفعت الأصوات المطالبة بقانون مدني للأحوال الشخصية يضمن حقوق النساء والمستضعفين.
في الشارع، امتزجت صيحات النسويات مع كلمات ريّس بك والشيخ إمام ونداء المآذن للصلاة في لحن سوريالي ارتجالي يتحدى فاشية النوتات والمقامات، تعزفه أوركسترا الثورة من دون مايسترو وعلى إيقاع انهيار النظام.
رغم أهمية مشاركة الأساتذة والمعلمين في هذه الثورة، الأهم اليوم هو أن يصغوا إلى هذا اللحن ويتعلموا منه، ولعلهم يستمتعون به. من الصعب تقويض الانقلاب على السلطات وترويضه. لذلك، من الأفضل لنا نحن القابعين في أبراجنا العاجية (وأنتم أيضاً الذين قبعتم في «البيضة») حفظ رؤوسنا، لأنّ كلن يعني كلن.