تعليق جنس
سمير سكيني

 العام والخاص والعُري والنفور من شعر العانة علناً ومَحَبّة المهبل في الخفاء

5 أيار 2022

صار اسمها الفتاة التي خرجت نصف عارية إلى الشارع.
هكذا عرّفت عنها وسائل الإعلام والتواصل. هكذا ستُعرَف بين جيرانها، بدءاً من اليوم. الفتاة التي خرجت نصف عارية إلى الشارع، أي بوصف الجسد، لكن أيضاً، بتحديد المكان.

كُثر من علّقوا على صورة الموضوع، لكنّ قلائل من علّقوا على الموضوع.
كُثر من قالوا إنّها خرجت بعُريِها، لكنّ قلائل من قالوا لماذا خرجت رانيا إلى الشارع بعُريها.

قامت بهذه الحركة بهدف تسجيل موقف من القضاء اللبناني.
هذا ما جاء في إفادة رانيا بعد توقيفها من قبل الأمن الداخلي. تبيّن أنّ رانيا، أو الفتاة التي خرجت نصف عارية إلى الشارع، قد سبق لها أن قدّمت عدّة بلاغات قضائية حول تهديدات تتعرّض لها من قبل عائلة طليقها، لكنّ أحداً لم يتحرّك. فتحرَّكت هي.

حتّى أنّ الوسيلة الإعلامية التي تكبّدت عناء الاتّصال برانيا، قناة «الجديد»، اتّصلت للاستفسار منها، صوريّاً، لكن ضمنيّاً اتّصلت لتوبيخها. هذه وظيفة الإعلام التقليدي: تكريس قواعد الهيمنة في المجتمع، والاستنفار لِما استنفر له الرأي العام، عوضاً عن توضيحه أو تفكيكه.

هيدا منظر مؤذي للنظر.
هكذا قرّرت الإعلامية. أصدرت الإعلامية/ الشَيخة زهراء فردون الفتوى، وقرّرت أنّ هذا الفعل مؤذٍ. أجابت رانيا: في وحدة بتنزل «بمنظر مؤذي للنظر» إذا هي مش منئذية؟
بهذه الإجابة، حوّلت رانيا الاتّصال من تعليقٍ على صورة الموضوع، إلى تعليق على الموضوع مباشرةً؛ انتقلت من المشهد إلى الحقيقة.

ثم تذرّعت الإعلامية بالقانون، وبأنّ مَشية رانيا عاريةً تُخالف القانون ومُعتقداتنا، فأجابت: ضدّ القانون؟؟؟ أنا رافعة دعوات كتير، ولازم الدعوات اللي رافعتها تمشي، كيف بكون أنا ضدّ القانون؟
مجدّداً، صفعت رانيا مجتمع المشهد، ونقلت هذه المرّة تصوير المسألة على أنّها مسألة خاصّة تتعلّق بجسدها، إلى مسألة عامة تتعلّق بترهّل القضاء والقوانين المنحازة ببنيتها للذكور، ومماطلة القاضي خدمةً لعائلة طليق رانيا.

استدركت رانيا أنّ الاتّصال لم يكن سوى مُنتَج من مُنتَجات «المشهد»، وحاولت خرقه؛ هي التي سبق أن خرقت أبسط قواعد «المشهد» عبر سيرها العاري بطلاقة. ذلك أنّ هذه المشية القصيرة قد دغدغت قواعد عمرها من عمر إيديولوجيا النظام، ومن عمر بنية الجماهير النفسية التي شكّلتها إيديولوجيا النظام:

  • تصرّفت بجسدها كما ارتأت أنّه الأنسب خدمةً لقضيّتها، بصرف النظر عمّا يراه المجتمع أو القانون، وتحديداً عمّا يراه الذكور، وتحديداً الذكور الذين يعتقدون أنّهم هم من يقرّرون كيف تتصرّف المرأة بجسدها.
  • نقلت تصرّفاً اعتدنا أن نعتبره «خاصاً» إلى الحيّز العام، بخطوةٍ للإضاءة على مسألة اعتدنا أن نعتبرها «خاصة» بدورها، لكنّها فعليّاً مسألة عامة تتعرّض لها معظم النساء (مسألة الابتزاز من عائلة الطليق).
  • استخدمت العُري كحالة اعتراضيّة، استخدمت الجسد كرمزٍ للتمرّد، في مجتمعٍ يلعب فيه الجسد، وظيفياً، أداة القمع الأولى (عبر كبت الدوافع الجنسيّة الأولى وتقديس العذريّة وشَيطَنة الاستمناء…).

إذاً، هل كان من المفيد أن تستخدم رانيا العُري للاحتجاج؟ لا أعلم، ولا يهمّ.
هل هذا هو المطلوب اليوم؟ أن يحتجّ المزيد من النساء بواسطة العري؟ لا أعلم، ولا يهمّ.
ليست هنا المسألة، هذه فقط «صورة المسألة». المسألة هي عمّا إذا كانت ستحصل رانيا (وما تُمثّل) على شيء من العدالة في قضيّتها أم لا.


جاءت قضيّة رانيا بعد أيّام من انتشار فيديو لرجلٍ معمّم، نظير جشّي، تبيّن لاحقاً أنّه ينتحل صفة شيخ على لائحة «باقون نحمي ونبني». لكن هذا أيضاً لا يهمّ، فمضمون خطابه يطابق بشكلٍ شبه كامل خطاب اللائحة، وبالتحديد خطاباتٍ لنائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم. كما أنّ معظم المحازبين تقبّلوا كلام الرجل وروّجوا له، ومعظم المعارضين صدّقوه وانتقدوه.

في الخطابات المذكورة وما تلاها من تداول، وفي معرض الكلام عن الانتخابات والسياسة، يظهر جسد المرأة مجدّداً، كميزانٍ بين الخير والشر:
خياركم الخَيّر، كموالين لنا بصفتنا حزباً يمثّل النظام، خياركم السياسيّ الخَيّر سيجعل من نسائكم طاهرات، وخياركم العاطل (ضدّنا) سيجعل من نسائكم عاهرات.

ثم يُحدّد الجشّي المكان: في المعاملتين أو جبيل/ أو يحدّد نعيم قاسم المكان: في مدارسهم، في شوارعهم، في مناطقهم…أي هناك، بعيداً عن مدارسنا وشوارعنا ومناطقنا. مجدّداً، تظهر ثنائية وصف جسد المرأة وتحديد مكان تواجد هذا الجسد، كما ورد في الحالة السابقة، فصار عندنا:

  • «الفتاة التي خرجت نصف عارية إلى الشارع»
  • «النساء العاهرات في مناطقهم، والطاهرات في مناطقنا»

ظهرت هذه الثنائيّة مرّة ثالثة في تغريدات إعلاميّي الممانعة، حين تداولوا فيديو لامرأة تركض بثياب الرياضة على الكورنيش، وعلّقوا: بيجيك واحد بيقلّك انّه في احتلال إيراني.

مجدّداً، استخدام جسد المرأة كميزان: تُحدَّد طبيعة الحكم بحسب شكل جسد المرأة، لا بحسب الاقتصاد ولا السياسة والميليشيات ولا شيء. فيصير وجود أو عدم وجود نظام كهذا، مثلاً، مرتبطاً بنظر هؤلاء بطول الثياب التي ترتديها المرأة. أي، يصير خيارهم السياسي واقعاً بقدر ما يتحكّمون بجسد المرأة وملبسها.

فصار عندنا:

  • «الفتاة التي خرجت نصف عارية إلى الشارع»، للتدليل على «جنون» المرأة، وبالتالي بطلان احتجاجها وموقفها القانوني، وبالتالي صوابيّة التهديدات التي تتعرّض لها من عائلة طليقها.
  • «النساء العاهرات في مناطقهم، والطاهرات في مناطقنا»، للتدليل على سوء سياسات الآخرين وصوابيّة سياساتنا وطريقة إدارتنا لمناطقنا.
  • «المرأة التي تركض بثياب الرياضة على الكورنيش»، للتدليل على «تقبّل الآخر» والسماح له بالتصرّف بشكلٍ يتعارض مع عقيدتنا الشموليّة وبرنامجنا السياسيّ المُحافظ.

بسحب هذا المنطق إلى أقصاه، وبمراجعة كل الأمثلة المشابهة، يتبيّن أن قضيّة العري وجسد المرأة لم تكن يوماً قضيّة خاصة، ولم تكن يوماً مفصولة عن السياسة، تحديداً في لبنان. الموقف من هذا الجسد، ترافقه بشكلٍ مُضمَر مواقف سياسيّة.

من هنا القول إنّ الموقف من الكشف عن العري، اليوم، لا يمكن أن يؤخَذ من دون البحث عن الدوافع والغاية أوّلاً، وثانياً من دون البحث عن أدوات شيطنة العُري وتمجيد الكبت، في فترة الطفولة وفترة المراهقة.

(لا أدعو الناس هنا إلى أن يسيروا عراةً في الشوارع وأن يسمّوا ذلك «تحرّراً»). لكن بالعكس، أدعو للبحث بارتباط القمع الجنسي بالقمع النفسي، ثم بالقمع السياسيّ. ثم البحث بردود الفعل لدى رؤية مشهد العري.

من بين ردود الفعل على عُري رانيا مثلاً، أن قال أحدهم: في أزمة شفرات حلاقة بالبلد؟ تفه، ليبدأ بعد ذلك التهكّم والنفير من شعر العانة.

مضحك هذا الموقف، عن جد. مضحك حينما يأتي بالتحديد من أفرادٍ غارقين في فانتازماتهم الجنسيّة، وتصوّرهم الأوّل عن الجماع هو ما رأوه في المواقع الإباحية، حيث المهابل ورديّة وحيث الغلبة للذكور، وحيث لا وجود لشعر العانة، بخلاف الطبيعة.

مضحك أنّها تأتي من الأشخاص ذاتهم الذين اهتاجوا لرؤية المرأة التي تركض بلباسها الرياضيّ! نهتاج على المهبل حيناً، في سرّنا أو في النِكات التي تظهر تفوّقنا الجندريّ وتحكُّمنا بالمهبل، ثم نخشاه حينما يهدّد القواعد التي فرضناها على المهبل نفسه… وهذا بحثٌ آخر. 

ثم تعود الإعلامية وتسأل رانيا: شو ذنب الناس انها تشوف هيك مشهد؟
صارت رؤية المهبل ذنباً! بالمناسبة، هذا ما حصل ذات مرّة، مع شخصٍ ذنبه أنّه لم يسمع بالمهبل من قبل… 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
صواريخ حزب الله تُصيب مصنعاً في الجليل
شهيد من الجيش اللبناني بقصف إسرائيلي على حاجز العامرية
إصابة مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية
إطلاق نار على السفارة الإسرائيلية في الأردن
العثور على جثّة الحاخام الإسرائيلي تسفي كوغان في الإمارات 
25 شهيداً في عدوان يوم الجمعة 22 تشرين الثاني 2024