في السرير بقايا جسدَيْن وأوراق ولابتوب. هو مكتبي اليوم. منذ أيّام، ورغم إصراري على الاستيقاظ المبكر للعمل، فإنّ السرير، برغبةٍ متفجّرة للتحرّر من كلّ أشكال الالتزام بمساحات الإنتاج التقليديّة، تحوّل إلى مكتبٍ ثابت. أحرّر فيه صفحات روايتي. أقرأ فيه الكتب وأعطي دروس اللغة لطلابي عبر سكايب.
في السرير أيضاً بتُّ أكتب مقالاتي (وهذا آخرها). في السابق، حين لم تكن بعض المقالات التي أكتبها تعجب المحرّر كثيراً، كان يقول لي إنّها تبدو مكتوبة على الواقف. هذه المرّة أطمئنه وهو يدفش هذه المادّة للنشر وأنتم تقرأونها الآن، أنّ المقالة كُتِبَت على النايم. ولن تتجاوز الـ400 كلمة.
أركن جسمي الذي خرج لتوّه من نومه وبقايا رغباته المنزوية فيه إلى الجدار. أمدّ قدميّ تحت اللحاف. أتجهّز للوضعية اللازمة للإنتاج. ترافقني حبّة فاكهة. موز ربّما لضرورات السرير (الكاتب ممازحاً القرّاء. المحرّر مطلوب حيّاً أو ميتاً).
تاركاً أكواب القهوة تتسلّل إلى الفراش، واحداً تلو الآخر، تؤنسني الروائح المالصة التي لا تزال عالقة في الملاءات. المخدّات تتحوّل إلى طاولات. أضع عليها أوراقاً أراجعها أو كتباً أقرأ منها وأفلفشها من وقتٍ إلى آخر. قد أبقى في السرير نصف النهار أو أكثر بقليل في أيّام العمل المتواصلة من الاثنين إلى الجمعة.
في بداية الحجر الصحي، كنتُ أستخدم المطبخ هارباً من ظروف الحياة المستجدّة. كانت مساحة الـ35 متراً لي وحدي قبل كورونا اللعين. أعمل قرب مكتبي وأطبخ عند الظهيرة وأمارس الميديتيشن وحيداً، وأغسل وأنشر وأرتّب الشقّة. كلّ هذا انتهى اليوم. بات يشاركني هذه المساحة الصغيرة والقاتلة على مدى 24 ساعة شريكي تيو، بعد بطالته المفروضة منذ انتشار الفيروس وقرارات الحكومة الصارمة.
هربتُ في البداية إلى المطبخ. لكنّي ما لبثتُ أن وجدتُ مساحتي الآمنة: السرير. وها أنا أتنفّس في مساحتنا المشتركة. وبفضل العزلة زادت ممارستنا للجنس على السرير. لذا يبقى على حاله. مُكركَباً، أو لنقُلْ مشرّعاً لكلّ الأنشطة الجسدية والتخيّلية: الكتابة والقراءة والمتابعة والتدريس ومتابعة نشرات الأخبار ومشاهدة الأفلام وتحرير مواد الصحافة وإجراء اتصالات مع الأصدقاء أو ممارسة العادات السرّية مع آخرين زُربوا في غرفهم.
لم يعُد السرير للراحة، بل لشعلة من الحركة والأفكار والهواجس والخيالات والعلاقات الجنسية العابرة للقارّات والشاشات.
اكتشفت خلال محادثاتي مع رفاقي أنّهم حوّلوا لأوّل مرّة أيضاً أسرّتهم إلى مكاتب لعملهم ونومهم وممارستهم العادة السرية، لأنّ غالبيّتهم وحيدون الآن في عزلاتهم. كلّهم أكّدوا لي أنّ إنتاجيّتهم أصبحت أكثر كمّاً وأفضل نوعاً، وأنّهم يشعرون بالألفة والأمان في مساحات نومهم تلك وبين روائحهم وبوضعيّاتهم التي يحبّونها، ترافقهم أطعمتهم وعاداتهم الصغيرة غير المرئية في مكاتبهم السابقة.
اكتشفنا مع التحوّل المُضاف في حياتنا بعد انتشار كوفيد 19، أنّنا صرنا سكّان الأسرّة. نتمرّغ فوق روائحنا ووحدتنا وسوائلنا الخائفة. فهل سنُقنع الاقتصاد ومحرّكاته، بعد كورونا، بنموذج السرير المنتج؟