قضية الأسبوع تضامن
ميغافون ㅤ

التضامن بين الشعوب في وجه المصالحات بين الأنظمة

8 تموز 2023

تضامن رسمي عربي

امتنعت الغالبية الساحقة من الدول العربية عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء مؤسسة دولية لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا. والتزم لبنان بهذا الامتناع بكلّ صفاقة، رغم مروره بحرب أهلية ما زال مصير مفقوديها مجهولاً، ورغم اختفاء عدد من مواطنيه في أقبية النظام السوري نفسه. لكنّ الامتناع العربي، لبنان ضمناً، جاء كنتيجة طبيعيّة لمسار دمويّ من الثورات المضادة التي قادتها الأنظمة والميليشيات الحليفة ضدّ شعوبها منذ العام 2011، وخاصة بعد موجة الاحتجاجات الأخيرة في عام 2019. وبعد انتصار هذا المسار، بدأ عصر المصالحات التي باتت نقطة تحوّل سياسي في منطقتنا. فمن المصالحة السعوديّة الإيرانيّة برعاية صينيّة وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، إلى تطبيع دول الخليج والمغرب مع إسرائيل وصولًا إلى التطبيع الرسمي مع بشار الأسد خلال قمّة جدّة في أيار 2023، بدأت ترتسم ملامح نظام عربي جديد، بقيادة سعودية، نظام يثبّت فيه كلّ محور مناطق نفوذه الجغرافيّة، دون الاستعانة بوساطة غربية. فبعد تراجع الدور الأميركي في المنطقة وتطبيع بعض الدول الأوروبيّة مع الأنظمة العربية بدواعٍ أمنيّة واقتصاديّة، أصبحت المنطقة العربيّة تعكس ملامح نظام عالمي متهاوٍ وهشّ، متعدّد الأقطاب.


نهاية سياسة «اللعب على المحاور»

دخلت الأنظمة العربية اليوم في مرحلة تشدّد استبدادي، يصل إلى حدّ التضامن في ما بينها لقضم ما تبقّى من مساحات حريّة. يكرّس هذا النظام الجديد المأزق السياسي للحركات التحرّرية في المنطقة، التي باتت عاجزة عن استغلال صراعات المحاور وتناقضاتها لتحقيق أهدافها، أو الاستفادة من المساندة الغربيّة النسبيّة التي رافقت معظم الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطيّة في العقود التي تلت انهيار الإتحاد السوفياتي. 
دفعت الهزائم السياسية بعض الحركات التحررية إلى التخلّي عن المقاربة التضامنية والجامعة التي شكّلت ميزة ونقطة قوّة الثورات العربيّة ضد الأنظمة عام 2011، إذ تقوقعت تلك الحركات التحررية ضمن الحدود والسياقات الوطنيّة الضيّقة. ومع تعثّر المسارات الثوريّة بسبب آلة القتل الوحشيّة وانسداد أفق التغيير الداخلي، راهنت بعض القوى السياسية المنخرطة بالمسار الثوري على صراعات وتناقضات المحاور الإقليمية. وكان من النتائج الأولى لخيار كهذا ضرب أي إمكانية تضامن عابر للأوطان، أملاً بأن يخفّف الرهان على محور ضدّ الآخر من بعض المِحَن، ممّا وضع مصالح شعوب المنطقة في مواجهة بعضها بعضاً. فعلى سبيل المثال، راهن البعض في سوريا لمقاومة نظام بشار الأسد على دعم دول الخليج والولايات المتحدة التي تساهم في محنة الشعب الفلسطيني. كما راهن البعض في فلسطين على محور الممانعة، الشريك في قتل الشعب السوري، لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. 
لكنّ هذه الرهانات التي قد تبدو ضرورية للبعض في حالات العنف القصوى، لم تحقّق أهدافها المرجوّة، وسقطت رسمياً بعد المصالحات العلنيّة بين المحاور، إذ كشفت أن مصلحة المحاور في استمرار الاستقرار الاستبدادي في المنطقة تحول دون تحويلها إلى حليف، ولو ظرفي، في أي معركة تحرّريّة.


مداخل جديدة للنضال التحرّري

حتّم سقوط الرهان على المحاور لجوء الحركات التحرّرية إلى وسائل أخرى لإعادة إحياء نضالها السياسي. في فلسطين، أدّى الشلل والضعف السياسي للسلطة الفلسطينية وحماس إلى بروز مسارَيْن، الأوّل يسعى إلى استنهاض رأي عام عالمي تقدّمي شاب، ومخاطبته بلغة وأساليب وجماليات إعلامية ملائمة، كما فعل الشقيقان محمد ومنى الكرد خلال انتفاضة الشيخ جراح.
أمّا المسار الثاني، فتمثّل بالعودة إلى حالة الانتفاضة الدائمة، وأخذ طابعاً مقاوماً شعبيّاً عفويّاً، غير خاضع لحسابات المحاور، كما حصل في اللدّ خلال هبّة الداخل عام 2021 أو في جنين حيث تصدّى الفدائيون لمحاولة الاحتلال تهجيرهم من المخيّم هذا الأسبوع.
وخارج فلسطين، تتعدّد الأمثلة عن لجوء المجتمع المدني العربي إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان والمحاكم الغربيّة، حتّى بات يتركّز النشاط السياسي في المنفى على هذا الحقل النضالي الحقوقي. فمعركة السوريّين لإنشاء مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا، سبقه العمل على إقرار الكونغرس الأميركي قانون قيصر (رغم الانتقادات التي طالته بسبب التأثير السلبي للعقوبات على الشعب السوري)، ومحاكمات قادة النظام السوري الأمنيّين في ألمانيا
أمّا لبنانياً، فنجح الجسم الإعلامي والحقوقي في تحريك القضاء الأوروبي ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وانتزاع حكم قضائي بريطاني ضدّ شركة سافارو في قضيّة انفجار 4 آب. هذا بالإضافة إلى ملاحقات الفروع الأجنبية للمصارف أو حتى إقرار العدالة بقضية منصور لبكي بالمحاكم الفرنسية.


تسييس المنفى والعودة إلى التضامن العابر للدول

في كلٍّ من الحالات الفلسطينيّة والسورية واللبنانية، يشكّل المنفى دوراً محورياً في بلورة ميادين جديدة للصراع السياسي، مع انسداد الأفق محليّاً. لكن هل هناك من دور للعمل السياسي في المنفى يتجاوز الانتصارات الرمزية والدعم المادي والمعنوي للداخل، وهل يمكن أن يخلق توازنًا جديدًا على الساحة المحليّة؟ رغم تحقيق المعارك القضائية في الخارج نتائج واضحة وملموسة، لكنها تبقى غير كافية لتغيير الواقع، ويعود ذلك إلى ضعف أو غياب حركة تحرّرية في الداخل تستطيع استغلال الضغط الدولي لقلب موازين القوى. 
أضف إلى ذلك أنّ علاقة النظام القضائي بالمصالح السياسية ملتبسة، وخارجة عن إرادة من يلجأ إليه لكي يحقق بعض العدالة ببلده المنكوب. فمصلحة الحكومات الغربية، المتمثّلة بأدائها الدبلوماسي التابع للأنظمة، غالبًا ما تتعارض مع الأحكام التي يصدرها القضاء الغربي بحق أركان الأنظمة العربيّة. وقد يكون المثال الأبرز على ذلك هو التطبيع الأميركي والغربي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتجاهُل جرائم حرب اليمن وقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي. وبالمقابل، فإنّ الحماسة في فتح مجال القضاء الغربي أمام بعض المعارضين العرب قد تنبع من تقاطع مصالح، قد لا يدوم. 
لكن للمنفى دور آخر يستطيع لعبه، ينطلق من التواجد العربي في الخارج لترميم حالة من التضامن السياسي العابرة للدول وبلورة بنى تحتيّة سياسية مشتركة تساهم في تدعيم حالة النضال التحرري في الداخل. فبعدما أصبحت العواصم العربيّة شبه مقفلة، باستثناء بيروت إلى حدٍّ ما، باتت عواصم الشتات من برلين إلى باريس ولندن ونيويورك وغيرها المنفذ الأخير للناشطين التقدميين العرب للالتقاء وإنتاج الفكر، وتنظيم أنفسهم بحريّة.


تضامن الشعوب / مصالحات الأنظمة

امتنعت الغالبية الساحقة من الدول العربية عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقدّمت نموذجًا عن «تضامن» بين الحكّام العرب، يهدف إلى إعادة إخضاع المنطقة لسيطرتهم. في وجه هذا التصالح الاستبدادي، لم يعد التضامن بين الحركات المعترضة ترفاً أو موقفاً أخلاقيّاً تتغنّى به نخب مثقّفة، بل بات يشكّل حاجة موضوعيّة لاستنهاض بعض الدعم أمام المدّ الاستبدادي الجارف. فالمشروع التحرّري في المنطقة يفرض علينا التفكير في ترابط النضالات والسياقات، أي البحث عن كيفيّة التخلّص من الاحتلال والاستبداد في الآن نفسه، وكسر سطوة المحاور على مصير الشعوب. تدرك الأنظمة جيدًا خطر التنظيم العابر للدول، ولذلك تنشط في دفع الحركات التحرّرية إلى سياقاتها الوطنية الضيقة، من أجل إضعافها وتشتيتها.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
نتنياهو يهدّد المحكمة الجنائية وكل من يتعاون معها
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
21-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
25 شهيداً في عدوان يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024
3,583 شهيداً، 15,244 مصاباً
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 21/11/2024
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة