تعليق ثورة تشرين
علي هاشم

المكلَّف بإدارة السقوط؟

22 كانون الأول 2019

يصرّ رئيس الحكومة المكلّف حسان دياب على أنّه ليس بوارد الاعتذار عن تكليفه، بمعزل عن الاضطرابات في الشارع التي تلت هذا التكليف. كان من المفترض أن يخشى الرئيس المكلّف الكثير من الأمور قبل أن يكشف بوضوح عن هذا الإصرار، وفي طليعة ذلك الفشل في إدارة البلاد في مرحلة الانهيار المالي القائم اليوم. لكنّه عمليّاً، لا يملك أي حيثيّة شعبيّة ليخشى عليها، وحتّى سيرته السياسيّة المتواضعة لا تحفل بالكثير ليخاف من تلطيخه بلقب «رئيس الحكومة في زمن السقوط». وهكذا، يصبح إصراره على المضيّ قدماّ في هذه المهمّة مسألةً مسلّماً بها، بينما يصبح السؤال عن استمرار تكلفيه متعلّقاً بإصرار أولياء أمر تكليفه على هذا المسار، أي حزب الله وحلفائه.

الإصرار على الهاوية؟ يقودنا البحث عن نيّات التحالف السياسي الذي أنتج هذا التكليف، خصوصاً لجهة إمكانيّة تحوُّله إلى تأليف فعلي، إلى النظر تلقائيّاً في ما ستقبل عليه البلاد من الناحية الماليّة في حال شكّل دياب بالفعل حكومته، خصوصاً وأنّ أبرز التحدّيات المقبلة ذات طابع مالي نقدي تحديداً. فدياب، وبعكس الحريري، لا يملك فعليّاً «البروفايل» الذي يؤهّله لقيادة مسار يحاول شراء الوقت قبل السقوط التام والنهائي للنظام المالي اللبناني، من خلال استقدام رُزم الدعم المالي الدوليّ. فهو لا يملك الرصيد السياسي اللازم لدى الدول والجهات التي يراهن عليها البعض اليوم لهذه المهمّة، كما لن تثير حكومة أنتجها حزب الله وحلفاؤه شهيّة تلك الجهات لتوفير هذا الدعم المكلِف. ومن ناحية أخرى، لا يملك دياب بتوجّهاته التي أعلن عنها حتّى الآن أي نيّة لقلب موازين النموذج الاقتصادي القائم كما نعرفه اليوم، والاتجاه نحو سياسات تحمي ذوي الدخل المحدود من تبعات الأزمة الماليّة. لا بل إنّ خبرته وخلفيّته الشخصيّة تجعل من وجود هذه النيّة مسألة غير متوقّعة أبداً. وبالتأكيد، لا يبدو أنّ لدى أولياء أمر تكليفه أدنى اهتمام بالدخول في معركةٍ من هذا النوع مع مواقع النفوذ المالي والإقتصادي، خصوصاً وأنّ الشروط التي أفضت إلى تكليف دياب ارتبطت بحسابات المواجهة السياسيّة بالدرجة الأولى والأخيرة.

ماذا يريدون من هذا التكليف؟ بالتالي، ومن الناحية الاقتصاديّة والماليّة، وفي ظل الانهيار القائم اليوم، يبدو من الواضح أنّ اتجاه دياب إلى تشكيل حكومة سيعني الاتجاه نحو السقوط التام والشامل. وهو ما يطرح السؤال عن نيّة حزب الله وحلفائه من هذا التكليف، وعن مدى إصرارهم الجدّي على تحويله إلى تأليف حكومة برئاسة دياب. من الممكن أن يفترض المرء أن حزب الله عقلاني بما فيه الكفاية ليدرك مخاطر هذا التأليف. وهو ما يقودنا إلى الاعتقاد بأنّ تكليف دياب هو مجرّد ابتزاز وضغط على الحريري ليوافق على الشروط التي وضعها له قبل تكليفه بتشكيل الحكومة. وبذلك، يراهن حزب الله عمليّاً على عودة الحريري، وعلى الدعم المالي الدولي الذي يستطيع الحريري استدراجه للبنان، والقادر على تأجيل السقوط المالي التام والنهائي. لكن من الممكن أن يتخيّل المرء أيضاً مساراتٍ أسوأ إذا رفض الحريري في الفترة المقبلة الشروط التي يضعها الطرف الآخر لتكليفه، وخصوصاً الشروط ذات الطابع السياسي. في هذه الحالة، يمكن لحزب الله أن يضع سيطرته السياسيّة كأولويّة، ولو على حساب الوضع المعيشي والاقتصادي لعموم اللبنانيين، وهو ما يمكن أن يدفعه للإصرار على استمرار دياب في مسيرة التأليف الحكومي. وهنا يكون قد دخل لبنان نفقاً مخيفاً على المستوى المالي.

ما العمل؟ بين الحريري وخيارات حماية المصارف والدائنين على حساب الغالبيّة الساحقة من اللبنانيين، والابتزاز بدياب ومشاهد الفوضى والجوع القادمة، وفي ظلّ انفجار الأمور مذهبيّاً على الأرض، اختار بعض الثوّار الانكفاء عن المشهد في الشارع. لكنّ اللحظة الحالية هي، في الواقع، الوقت المناسب تماماً للعودة إلى الشارع رفضاً لهذا الابتزاز. فرفض دياب يجب أن ينطلق أوّلاً من الأجندة التي لا يملكها هو، ولا يملكها أولياء أمر حكومته المنتظرة، أي ضرورة الانقلاب على التزاوج الحاصل بين أصحاب المصالح الماليّة والسياسيّة في البلاد، والتي أفضت إلى الانهيار القائم. وبما أن الحريري لا يملك هذه الأجندة بدوره، يصبح هذا الاعتراض مناسبةً لرفض كلّ صيغة الابتزاز التي تخيّرنا بين الحريري ودياب.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
هذه الدول ستعتقل نتنياهو إذا دخل أراضيها
غارتان على أطراف الشياح- عين الرمانة 
جنود إسرائيليّون سمحوا لمستوطنين بالتسلّل إلى غزّة
إسرائيل ترتكب المجازر في بعلبك
الاحتلال افتتح نهاره بغارات على الضاحية