تعليق عنف وقمع
سامر فرنجية

الموتوسيكل في وجه «الدولة»

22 أيار 2024

الحرب على الموتوسيكل

أيام أمنية طويلة أطلقها وزير الداخلية. انتشار مكثف للقوى الأمنية بكامل عتادها. رسائل واتس أب وتحذيرات عن حواجز ونقاط أمنية. اقتحام وإغلاق محالّ تجارية لتشغيلها عمّال سوريين غير شرعيين. مصادرة آلاف الموتوسيكلات وإصدار الغرامات بالجملة على كل من خالف قوانين أو تمنّع عن تسجيل سيارته. 

عادت «الدولة» بعد غياب طويل.

أشهر من التدهور الأمني الذي حظي بتغطية إعلامية كثيفة، مهّد لهذه العودة، كما الأشهر من التجييش ضد السوريين. بات المجتمع حاضراً لعودة رجال الأمن بكامل عتادهم. لكنّ الخصم اليوم ليس (فقط) جماعة أو أفراداً، بل هو آلة باتت تكثّف كل جوانب الانهيار: الموتوسيكل. 
وسيلة تنقّل بسيطة، رخيصة، تتهرّب من سيطرة المدينة عليها، تقدّم للفقير وسيلة عمل وتنقُّل، كما تسمح لمجرم بارتكاب أفعاله، تخلط بين الشرعي وغير الشرعي، تشكّل أحد عواميد اقتصاد الأزمة، تنقل مناصري الأحزاب عند الحاجة، تكسر الحواجز بين الأحياء… الموتوسيكل هو رمز الانهيار، صورته، ومحاولة التأقلم معه، مقاومته، في الآن نفسه. 

هذه الآلة باتت خصم «الدولة» في يوم عودتها الأمنيّة.


«الدولة» في شكل ميليشيا

عادت «الدولة»، لكنّها بدت وكأنّها ميليشيا. 

انتشر عناصر القوى الأمنية في الشوارع، عدد كبير منهم لا يفرقه عن المقاتل إلّا سترة، يوقفون موتوسيكلات وسيارات فشلت في إتمام مراسم التسجيل الرسمية. في أي لحظة أخرى من التاريخ، كان هذا الاستعراض ليشكّل جزءاً من فرض هيبة القانون، مثله مثل العروض العسكرية أو المراسم الرسمية. لكن عندما تكون الدوائر الرسمية مغلقة ويسيطر عليها سماسرة، جزء منهم من «الدولة» ذاتها التي تلاحق المخالفات، يتحوّل هذا الاستعراض إلى ما يشبه فرض «خوّة» على مجتمع، منهك ماديًا أصلًا.  

وضعت «الدولة» العائدة المجتمع أمام معضلة عبثية: استحالة القانون وحتمية العقاب في الآن نفسه، أي صنعت «اللا-قانون» كمصدر للريع الجديد.

في بلدٍ باتت مؤسساته تعيش على هامش القانون وليس تحت سقفه، من قطاعه المصرفي الخارج عن القانون إلى مؤسساته الرسمية التي باتت قابعة في عالم من «الاستثناء القانوني» إلى مؤسساته الخاصة التي يُفرض عليها مخالفة القانون للاستمرار، كان مشهد القوى الأمنية وهي تلاحق تسجيل السيارات والموتوسيكلات أقرب إلى عنف عبثي مما هو فرض لهيبة القانون.

ابتزاز تجاه الخارج وخوّة تجاه الداخل، هذه هي أسس السياسة الاقتصادية للنظام الريعي المنهار. 


وين الدولة؟

يطرح هذا الأسبوع الأمني الطويل أسئلة حول هذه «الدولة» التي تشكّل أفق السياسة في لبنان. 

فقد قدّم العنف العبثي للقوى الأمنية صورة عن «دولة» ما بعد الانهيار، دولة لم يعد فيها إلّا جانبها القمعي، بعد إفلاس أو انهيار مؤسساتها الأخرى. فالعنف العبثي الناتج عن هذه «الدولة» مزدوج. هو عبثي لكونه مشروطاً بانهيار الدولة: فلم تكن هذه الأيام ممكنة لو لم تكن الدوائر الرسمية مغلقة، ما عمّم حالة الخروج عن القانون. وهي عبثية لكون استعراضات كهذه باتت أساسية لتمويل هذا الجانب من «الدولة» في دوامة لانهائية من الخوّات والخروج عن القانون. 

فالمطالبة بالدولة، هذا الشعار الجامع، لم يعد من الممكن فصلها عن هذه «الدولة»، أي هذا الكائن الذي ينتج اللا-قانون كمصدر للريع، بعد استنزاف المصادر السابقة. وهذا الدور ليس محصورًا بالقوى الأمنية، بل بات يلخّص علاقة هذه «الدولة» مع مجتمعها، علاقة مؤسسة لم تعد تقدّم الكثير لهذا المجتمع لكنّها تحتاج إلى موارده لكي تستمر. 

في ظل هذه «الدولة»، تبدو المطالبة بالدولة ضرباً من الطوباوية، لا يشير إلّا لفقدان أي مخيّلة سياسية. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024
بري: المفاوضات في ملعب إسرائيل
9 غارات تستهدف الضاحية الجنوبية
تخوّف من تفخيخ جيش الاحتلال مستشفى ميس الجبل الحكومي 
حدث اليوم - الأربعاء 6 تشرين الثاني 2024
06-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الأربعاء 6 تشرين الثاني 2024