الكمّامة منها الأساس، الطبيب الله ومار الياس
— مطرب شعبي مجهول
تُصرِّف حكومة حسان دياب الموت. فلا عمل لها سواه. والموت عمل شاق، إلا في الأنظمة البوليسية. فهو عمل يتقنه الطغاة ويمتعهم، خصوصاً أولئك الذين جاؤوا بدمغة التكنوقراط أو المجدِّدين، خدم الأوليغارشية. لا بل يصبح الموت عدّتهم الخلفية لعمليات السطو والفساد والإجهاز على المجتمع والاقتصاد والأمن والموارد الطبيعية والبشرية. تستفيد هذه الطبقة من انتشار الفيروس لإحكام قبضتها على الموت وهيئته وأشكاله، في إماتتها الحياة السياسية وتعليقها بين رئيس مومياء ورئيس حكومة مكلف غير قادر على اختيار بذلته، ووزراء أشباح.
لا بد أن محمد فهمي، وريث عقلية هذا الموت ونظامه، يمتّع نفسه في هذه اللحظة بتنفيذ خططه الأمنية المشبعة بالعنف والقمع والأبوية، متفاخراً بقدرته الفحولية على إمساك البلد من خصيتيه. وهو بلد لم يملك من موته إلا تماثلاته ومخياله القائم على استنباط المقدّس واستعارته.
واستنباط المقدّس هو في صلب سياسة حزب الله، وهو الذي بات وجه هذا الموت وآلته، ومستقبله. وليست تماثيل سليماني إلا تصوّراً هلامياً لهذا الموت، وإعادة تشكيل بصرية له ولمفاهيمه ما بعد الحداثية. فهذه البلاد ليس فيها سوى صور القتلى والشهداء المفترضين وتماثيل الطغاة وزعامات الميليشيات والمرتزقة والطائفيين.
ليس في هذه البلاد إلّا صور للقتلى للتحوّل في نهاية المطاف إلى مقبرة واسعة. وليس إحراق مواطن لبناني نفسه في بيروت، ثمّ لاجئ سوري في تعلبايا، إلا تماثلاً صارخاً مع الموت الذي تصرّفه هذه الحكومة وتبيعنا إياه في مشاوراتها وإطلالات وزرائها ببذلاتهم المرفّهة على شاشات وسائل الإعلام المطبّعة مع النظام، أو حول موائد عامرة، بلا كمامات أو قواعد احترازية.
ويبدو وزير حزب الله، المسؤول اليوم عن القطاع الصحي والمؤتمن على تنفيذ خطة طوارئ لحماية المواطنين من مخاطر الفيروس، واحداً من مصرّفي الموت. يجلس حول مائدة مناصريه، التي لم يخلُ منها طبق، فيما مئات اللبنانيين يموتون جوعاً أو ينامون بمعدات خاوية، وبعضهم يموت على أبواب المستشفيات لأن لا ضمان لهم، أو يموتون بصمت بعد إصابتهم بالفيروس لأن لا سرير للمصابين، أو لشعورهم بالعار بعد تفاقم مفهوم الوصم بالإصابة. ففي بلد تنهار فيه كل القطاعات، وبات معظم شبابه بلا وظائف أو أعمال، ويعيش نصفه تحت خط الفقر، يجيز هذا الوزير المختال بنفسه وبرقصاته، وضع المسؤولية الوحيدة لانتشار الفيروس على الشعب. وذلك في الوقت الذي يعلن فيه القطاع الصحي موته سريرياً، ويعاني الممرضون والأطباء ظروفاً صعبة، ويواجهون الموت بأنفسهم، وآخر الضحايا الممرضان أمل ابو عراج وربيع درويش.
وتزامناً مع مأسسة الموت وتصريفه، خرج فيديو لمطرب شعبي يشجع المواطنين على عدم المبالاة بالكمامة، باعتبار ان الطبيب الوحيد هو الله والقديسون والشفيع مار الياس، ترافقه موسيقى الأورغ الصاخبة، فيما يحاول لبنانيون آخرون، وبلغة فوقية، وصف الخارجين الى اشغالهم والأسواق الشعبية لشراء بعض المؤونة، بـ«بلا مخ» و«الحَوَش» و«المتخلفين»، كما الحال بمقدمة الأل بي سي الشهيرة. وهي لغة لبنانية طبقية، يمارسها أصحاب الامتيازات الذين استطاعوا النفاذ من تصريف الموت، أو يعيشون في ظلاله غير متأثرين بحجمه، لارتباطاتهم بالطبقة الحاكمة ومموّليها وقَتَلتها.
لبنان، بعد مرحلة انهياره يصرّف الموت، بوصمة عار وأجساد محترقة في وضح النهار، برعاية مشط حسان دياب ووزرائه الذكور.