معارك المجلس القادم
تمكّنت قوى التغيير من حصد نتيجة فاقت جميع التوقّعات، ما أفرز كتلة نيابيّة يمكن الرهان عليها خلال الفترة المقبلة في جميع المعارك التشريعيّة المرتقبة.
كما بات واضحًا، سيكون جدول أعمال المجلس النيابي مليئًا بهذا النوع من المعارك التي تتّصل بشكل وثيق بمصالح اللبنانيين والشرائح الاجتماعيّة المتضرّرة من الانهيار:
من الكابيتال كونترول إلى إلغاء السريّة المصرفيّة، وصولًا إلى قوانين إعادة هيكلة المصرف واستقلاليّة السلطة القضائيّة والتعديلات الضريبيّة المرتقبة وإعادة هيكلة المصرف المركزي وغيرها من المسائل التي نصّت عليها خطّة التعافي المالي.
باختصار: سيكون من شأن المجلس الذي دخلته قوى التغيير اليوم البتّ بمسائل ستحدّد شكل الاقتصاد والدولة لعقود من الزمن.
تحدّي النوّاب الجُدُد
بإمكان كلّ معركة من هذه المعارك أن تشكّل مناسبة لخلق استقطاب وفرز تتصدّر فيه قوى التغيير المواجهة، ما سيكشف أمام الرأي العام طبيعة المصالح التي حالت طوال السنتين الماضيتين دون تنفيذ أبسط شروط التصحيح المالي، التي يُفترض أن تقود البلاد إلى الخروج من الانهيار.
قد تكون الكتلة المعارضة محدودة الحجم، ولن تقوى حكمًا على فرض تغيير كبير في موازين القوى داخل المجلس، خصوصًا حين يتصل الأمر بالمسائل التي تمس كبار النافذين في القطاع المالي أو النظام السياسي. لكنّ كتلة كهذه، قادرة على فرض مواجهة تنهي ظاهرة استباحة اللجان النيابيّة وتمييع مسارات التشريع. وهذا النوع من المواجهات هو ما من شأنه منح قوى التغيير المزيد من الالتفاف الشعبي في المستقبل.
في المقابل، وإذا كان النصر الذي أحرزته قوى الاعتراض يوم الأحد ثميناً، فمن شأن فشلها في لعب هذا الدور أن يفضي إلى خسارة أفدح ثمناً. فالدخول إلى المجلس، ومن ثمّ الاكتفاء بلعب أدوار استعراضيّة هامشيّة، دون ترجمة العمل التشريعي إلى مواجهات هادفة في المستقبل، سوف يضعف مصداقيّة هذه القوى أمام الرأي العام، ويؤكّد بالتالي النظريّة التي تقول باستحالة التغيير عبر البدائل المطروحة لكونها لا تمثّل مشروعاً سياسياً فعلياً. وهنا بالتحديد، ستكون قوى التغيير قد فقدت أولًا فرصة البناء على النجاح الذي حققّته يوم الأحد الماضي، في أي معركة في المستقبل، وهو ما سيعيدنا إلى نقطة الصفر.
بمعنى آخر، لا تملك القوى التغييريّة ترف المغامرة وترك احتمال للفشل، ما دامت فرص نجاحها في تجربتها البرلمانيّة الأولى هي ما سيحدّد مستقبل هذه القوى لاحقًا.
ما العمل إذًا؟
من المبكر الخوض في فحوص دم لتحديد نيّة أو قدرة كل نائب من النوّاب الجدد على خلق هذه المواجهة، خصوصًا وأنّ المواقف والحسابات بعد الوصول إلى المراكز، تختلف عن تلك التي يتمّ التعبير عنها قبل الانتخابات. فيسهل قبل الانتخابات الكلام المجاني القابل للتسويق شعبيًّا، والذي قد لا يكون بالمناسبة الأكثر صدقًا ولا الأكثر تعبيرًا عمّا تحتاجه البلاد من نائب. لذلك، قد لا يكون من المفيد في هذه المرحلة الخوض في فرز النوّاب التغييريين الجدد، قبل الحكم عليهم من أول قراراتهم داخل المجلس.
لكن من الناحية العمليّة، قد يكون من الأجدى على قوى التغيير، خصوصًا تلك التي انخرطت في عمليّة تحضير اللوائح وتقديم المرشّحين للاستحقاق الانتخابي، المضيّ وبشكل جماعي في ما يلي:
- تحديد الأولويّات التشريعيّة، وخصوصًا في ما يتصل بالملفات الداهمة المطروحة على بساط البحث خلال المرحلة المقبلة.
- تحديد المقاربة التشريعيّة لكل من هذه الملفّات، وفق معايير واضحة قبل الدخول في تفاصيل الملفات.
- توزيع الأدوار بين النوّاب الجدد الذين يُفترض أن يتوزّعوا على اللجان النيابيّة المختلفة، ناهيك عن توزّع تركيزهم على الملفّات المطروحة داخل المجلس.
- الاتفاق على مقاربة إعلاميّة للمعارك التشريعيّة، وخصوصًا في ما يرتبط بإطلاع الرأي العام على تفاصيل هذه المعارك ونتائجها.
وبذلك، قد تتمكّن الكتلة النيابيّة الناشئة (أو إطار التنسيق الذي ستعمل من خلاله) من المضي قدمًا في ما يحتاجه الشعب اللبناني منها خلال أسابيع مقبلة، على أمل التمكّن من خوض مواجهات موفّقة داخل المجلس.