حامي النظام في وجه الثورة
قرّر حزب الله، منذ بداية ثورة 17 تشرين، حماية النظام من أي خطر قد يواجهه. فتطوّع لمواجهة الثورة على مختلف المستويات، من خطابات التخوين والاتهام، مروراً بمحاولات تفتيت الساحات من الداخل عبر التواصل مع بعض المجموعات التغييرية، وصولاً الى الاعتداءات الجسدية في وسط بيروت وصور والنبطية وغيرها. أراد حزب الله من هذه الخطوات إنهاء الوجود الشيعي في الثورة، ليحوّلها من ثورة جامعة الى ثورة تُعاني من فقدان المكوّن الشيعي، فيسهُل عليه ضربها في بيئته وتقديمها لجمهوره بأنها حركة تستهدفه بالدرجة الأولى.
النزاع الانتخابي
تطوّرت الأحداث ليأخذ النزاع بين حامي النظام والثورة شكل الانتخابات النيابية. وفي هذا السياق يمكن فهم سعي الحزب، ليس لكسب كامل المقاعد الشيعية في المجلس النيابي فحسب، وإنّما العمل على إنجاح حلفائه في المعركة الانتخابية من خلال كتلة الأصوات الشيعية في جبيل وكسروان وبعبدا والشوف وعاليه. وهذا «الكرم» ليس من باب المُجاملة بقدر ما تكمن أهميته بالنسبة للحزب بالامساك بأكثرية مقاعد المجلس النيابي من جهة، ومواجهة أي عزلة داخلية مستقبلاً من جهة أخرى، بالإضافة الى أهمية تجديد الشرعية الشعبية للنظام السياسي القائم في ظل توازنات تميل بشكل كبير لصالحه.
نظرة استعلائيّة…
تنطلق مقاربة حزب الله الانتخابية من نظرة استعلائية. فأشار نصرالله إلى أنّ القرار ليس بيد النوّاب وإنّما بيد مجلس الشورى، ولم يُكلّف نفسه عناء تغيير الوجوه النيابية. فثبّت 11 نائباً في موقعه. وإذا كان من الممكن فهم هذا الإجراء لدى بعض الأحزاب اللبنانية من باب الأرقام الانتخابية التي يعجز مرشح جديد نيلها، إلا أنه لا يمكن فهمه بالنسبة لحزب الله سوى من باب المُكابرة والتصميم على أن كل ما وصل اليه لبنان من دمار هو نتيجة الحصار الاقتصادي. كما تظهر النظرة الاستعلائية في تكرار الشعار الانتخابي، وإضافة عبارة «باقون»، بحيث يوحي الشعار بأن إنجازات الحزب في «بناء» الدولة وحمايتها لا تُعدّ ولا تُحصى، وهو مصمّم على الاستمرار في هذا النهج والطريق.
…وميزان قوى استعلائي
رغم كل هذا المشهد، ما زالت أمام الحزب مهمة الفوز بالمقاعد الـ27 المخصّصة للطائفة الشيعية، وهذه المهمة قد لا تكون صعبة في ظل أدوات القوة التي يملكها. وتصبح المقارنة بينه وبين مجموعات مُعارضة حديثة النشأة وقوى يسارية متبعثرة، مقارنةً دون جدوى. فالحزب يمتلك ميزانية ضخمة وآلاف المقاتلين والموظفين في مؤسساته، ويستخدم الدعاية الدينية لخدمة المشروع السياسي، فضلاً عن تحالفه مع قوى سياسية شكلت على مدى 30 عاماً الوسيط بين أبناء الطائفة والدولة. هكذا تفتقد الانتخابات معناها الحقيقي لجهة التعبير الديموقراطي للمواطنين.
منطق حزب الله بمقاربة الربح والخسارة
كما أنّ لحزب الله منطقاً خاصّاً بمقاربة الربح والخسارة. فخسارة أكثريّة المقاعد النيابية في مجلس النواب، لا تعني بالنسبة له خسارة الانتخابات، وهذا ما يمكن ملاحظته من تكرار مسؤوليه فكرة أن لبنان لا يُحكم بمنطق الأكثرية والأقلية، وإنّما ثمة بدعة اسمها «الديموقراطية التوافقية» يمكنها إلغاء أي إرادة شعبية ومنح فيتو سياسي لأي مكوّن طائفي.
ويمكن مراقبة هذه التجربة بشكل واضح في الأزمة السياسية القائمة في العراق، حيث يُصمّم «الاطار التنسيقي» الذي يضمّ حلفاء إيران على المشاركة في الحكومة المرتقبة وفق منطق «حكومة الشراكة الوطنية»، في حين أنّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الفائز في الانتخابات البرلمانية، مُصمّم على السير بحكومة أكثرية تتحمل مسؤولياتها مقابل أقلية تُعارض.
لذا بات ضرورياً أن نجد خطاباً سياسياً يقول لحزب الله، إمّا خُذ الحكم وتحمّل المسؤولية أو تفضّل إلى المعارضة.