تحليل انتخابات 2022
علي نور الدين

بائعو الوَهْم: عن مشروع العونيّة السياسيّة

23 آذار 2022

لن تكون الانتخابات النيابيّة المقبلة نزهةً يسيرة للعونيين، بعد أن أنهكت سنوات العهد تجربتهم السياسيّة، بكل ما حملته من نكبات وإخفاقات وفضائح.

مع ذلك، لا يوجد ما يؤكّد حتّى اللحظة أن هذه الانتخابات- إن حصلت في موعدها- ستحمل في طيّاتها الضربة القاسمة والنهائيّة لمشروع التيار الوطني الحر. بل وعلى العكس تمامًا، يوحي المشهد الانتخابي بكلّ ما تحمله زواريبه من أخبار وتسويات وصفقات، بأنّ طبيعة القانون ستسمح لكل قوّة طائفيّة بارزة بالحفاظ على الحد الأدنى من حصّتها من مقاعد طائفتها، باستثناء المعتكفين عن خوض الانتخابات. فباتت النسبيّة مع الكوتا الطائفيّة والصوت التفضيلي مجرّد وصفة لتحاصص مقاعد الطوائف وفقًا لأحجام «البلوكات» المذهبيّة في كل دائرة.

على مشارف نهاية العهد ومع قرب الانتخابات النيابيّة، قد يكون مناسبًا الخوض في مراجعة المشروع الذي طرحته «العونيّة السياسيّة» قبل دخولها السلطة، مقارنةً بالأداء الفعلي الذي تحقّق بعد وصولها إلى رأس الهرم في السلطة التنفيذيّة. 


«الطريق الآخر» أو آخر وعود التيّار

العودة إلى «مشروع العونيّة السياسيّة» للحكم متعذّر إذا ما عدنا إلى أدبيّات العونيّين قبل العام 2005. 

خلال سنوات الحرب، وبعد وصوله إلى رئاسة الحكومة العسكريّة، انغمس عون في حرب الإلغاء داخل «المنطقة الحرّة»، وحرب التحرير على «خطوط تماسها»، ما لم يترك للرجل حيّزًا للتفكير بمشروع حكم. وبين عامي 1990 و2005، ارتدى التيّار ثياب المقاومة المدنيّة في وجه الوجود السوري، فلم يرفع أولويّةً تسمو على هذه القضيّة.

تعود أولى الوثائق التي عرضت مشروع العونيين للحكم إلى أيّار من العام 2005، بعد عودة عون من منفاه الباريسي، وقبل إجراء الانتخابات النيابيّة التي عرفت «التسونامي» العونيّ في ذلك الوقت. «الطريق الآخر»، أو الكتاب البرتقالي كما عُرف لاحقًا (أسوةً بالكتاب الأخضر في ليبيا معمّر القذّافي) تحوّل في تلك المرحلة إلى خارطة الطريق التي وعد التيّار اللبنانيّين بحملها على امتداد السنوات اللاحقة. ولعلّ أهميّة تلك الوثيقة تكمن في كونها آخر الوعود المجرّدة عن حسابات السلطة الداخليّة، لكونها البرنامج الوحيد الذي تمّ عرضه قبل دخول التيّار الحكومات المتعاقبة في السنوات اللاحقة. 


البرنامج / التطبيق

في ما يلي أبرز وعود العونيّة في تلك المرحلة، مقارنةً بتطبيقها لهذا البرنامج:

البرنامج: المطالبة بالتخلّص من مبدأ المعارضة والموالاة داخل مجلس الوزراء، والانتقال إلى مبدأ حكم السلطة ومحاسبة المعارضة الفاعلة داخل المجلس النيابي.

التطبيق: اعتبار الحكومة التي لم يشارك فيها التيّار «غير ميثاقيّة» لغياب المكوّن المسيحي «الأكبر» عنها، والانتقال إلى التحاصص في جميع حكومات الوحدة الوطنيّة.

• • • • • •

البرنامج: فصل الوزارة عن النيابة، انطلاقًا من مبدأ الفصل بين السلطات والحؤول دون تضارب المصالح.

التطبيق: تخطّي المبدأ في الممارسة، وصولًا إلى توزير رئيس التيار نفسه في العام 2018 بعد انتخابه نائبًا عن منطقة البترون.

• • • • • •

البرنامج: ضمان استقلاليّة السلطة القضائيّة، وتعزيز دورها بعيدًا عن تأثير السلطة السياسيّة.

التطبيق: تحاصص التعيينات القضائيّة، وصولًا إلى عرقلة التشكيلات خلال العام 2020 ولغاية اليوم، بسبب عدم رضا التيّار عن حصّته في هذه التعيينات.

• • • • • •

البرنامج: حقوق المواطنين فوق حقوق الجماعات الطائفيّة، والانتقال نحو نظام علماني.

التطبيق: تكريس مبدأ استعادة حقوق المسيحيين في الممارسة السياسيّة للتيّار، وخوض المعارك في مواجهة سائر الأطراف السياسيّة تحت هذا الشعار.

• • • • • •

البرنامج: إلغاء مراسيم التجنيس السابقة.

التطبيق: تورّط التيّار في مراسيم تجنيس جديدة في عهد الرئيس عون، حملت أسماء رجال أعمال مقتدرين ماليًّا. 

• • • • • •

البرنامج: رفض تسييس القوى الأمنيّة والعسكريّة، والخروج من منطق تحاصص تعييناتها.

التطبيق: حصول التيّار على حصّته من هذه التعيينات في جميع الأسلاك العسكرية والأمنيّة، مع نفوذ خاص في جهاز أمن الدولة.

• • • • • •

البرنامج: تحقيق مالي مفصّل في جميع الإدارات الرسميّة، تمهيدًا للمحاسبة.

التطبيق: مرور 17 عامًا دون القيام بأي خطوة في هذا الاتجاه.

• • • • • •

البرنامج: انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالميّة، ما يفرض إلغاء الوكالات الحصريّة بشكل تام.

التطبيق: عدم تحريك الملف لاحقًا، وانتقال التيّار إلى الدفاع عن مبدأ الوكالات الحصريّة تحت عناوين مذهبيّة.


في خلاصة الأمر، إذا أردنا حصرًا محاكمة الحالة العونيّة على وعودها السياسيّة قياسًا بأدائها، وبمعزل عن جميع مناكفاتها مع سائر القوى وقدرتها على الإنجاز، وبعيدًا عن السؤال عن جميع الصفقات الماليّة التي جرت قبيل وبعد انتخاب عون رئيسًا، يمكن القول إنّ هذه الحالة لم تحمل واقعيًّا سوى بيع الوهم طوال 14 سنة من وجودها داخل السلطة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد