جرى التمديد لكلّ رؤساء الجمهوريّة بعد اتفاق الطائف، باستثناء ميشال سليمان.
مدّد الياس الهراوي، ومدّد أميل لحّود. فلمَ لا يُمدَّد لميشال عون؟
قد تبدو الفكرة عبثيّة سياسياً ومستحيلة دستوريّاً. لكنّهم، رغم كلّ شيء، لا يزالون قادرين على مفاجأتنا. فها هو أحد النوّاب العونيّين يصرّح علناً بما همست به بعض التقارير الصحفيّة: هناك في القصر الجمهوري مَن يفكّر بالتمديد. ففي المخيّلة العونيّة، لا يكفي عهدٌ واحد للتغيير، حتّى لو كان سيّد العهد «جبلاً» كما أسماه سيّدٌ آخر. والأرجح أنّ ثلاث سنوات إضافيّة لن تكفي هي الأخرى لتحقيق جدول الأعمال العونيّ، فلا بدّ من إطالة أمد العهد عبر توريثه بعد تمديده.
ما الذي يريد فعلاً أن ينجزه ميشال عون لو حكم ثلاث سنوات أخرى، ولو اختفى فجأةً كلّ خصومه عن الساحة السياسية؟
لنضع جانباً ملفّات الوزارات التي استلمها التيّار العونيّ فترات طويلة من دون أن يحقّق شيئاً. ففي تلك الوزارات، سنصدّق رواية الـ«ما خلّونا». ولنفتح فقط الملفَّين الأساسيّين اللذين لا يمكن الهروب من مواجهتهما: انفجار المرفأ والانهيار الاقتصادي. فما الذي فعله الرئيس الطامح إلى التمديد في هذين الملفّين؟
أوّلاً، الانهيار الاقتصادي
لا يزال الرئيس وصهره يتحدّثان عن حكومة تقلب الطاولة على السياسات الاقتصادية السابقة التي اعتُمِدت منذ التسعينات. لكنّ الحقيقة المرّة هي أنّ الحكومة التي يتحدّثون عنها قد تشكّلت فعلاً، ووُضع على رأسها حسّان دياب.
أمّا الخطّة التي ستقلب الطاولة، فهي الخطّة التي أعدّتها «لازارد» لحكومة دياب. وهي خطّة، رغم عيوبها الكثيرة، تُعاقب مَن جنوا الأرباح الطائلة من السياسات السابقة، وتوقف حلقة النهب المفرغة التي أرساها رياض سلامة والمصارف والحريريّة.
لكنّ الانقلاب على الخطّة لم يأتِ من نبيه برّي وحسب، بل من البيت العونيّ نفسه. فلم يعد خافياً أنّ النائب العونيّ ابراهيم كنعان هو من كُلِّف بهذه المهمّة القذرة، باعتباره رئيساً للجنة المال والموازنة. وأطيح أو هُمِّش في هذه العمليّة المقرّبون من الرئيس الذين أرادوا قلب الطاولة فعلاً، وليس مدير عام المالية المستقيل ألان بيفاني إلا واحداً منهم.
لم تُنسَف الخطّة بسبب سياسات التقشّف التي سترهق عامّة الناس، بل بسبب ما تضمّنته من «هيركات» على كبار المودعين، وبسبب مصادرة رساميل من أصحاب المصارف.
فلننسَ الحكومة وخطّتها، ولنتحدّث عن الحاكم الذي يصارعه عون اليوم. لقد جاءت الفرصة الذهبية لإقالة رياض سلامة إلى حضن ميشال عون في العام 2017. كان قد أصبح رئيساً للجمهوريّة رافعاً شعار استعادة حقوق المسيحيّين. وباسم هذا الشعار، أعاد تشكيل الكثير من المواقع المسيحيّة الأساسيّة في الدولة، لتصبح موالية له. آنذاك، كان سلامة قد أنهى ولايته الرابعة. إلا أنّ التصديق على ولايةٍ جديدة لسلامة أخذ دقيقةً واحدة من وقت مجلس الوزراء الذي صوّت بالإجماع على التجديد للحاكم. يومها، عاد العونيّون لنغمة «ما خلّونا»، قبل أن يُكشف النقاب عن هندسات ماليّة أهدت عشرات ملايين الدولارات لمصرف «سيدروس» المقرّب من العهد، بعد أن أصبح أحد أعضاء مجلس إدارته وزيراً للاقتصاد من حصّة عون، وقبل أن يترشّح عضو مجلس إدارة آخر إلى النيابة على اللوائح العونيّة.
ثانياً، انفجار المرفأ
لم يمتلك الرئيس شجاعة تفقُّد الأحياء المنكوبة، حتّى أنّه ترك نظيره الفرنسيّ يجول وحيداً في الجمّيزه. وقف في وجه التحقيق الدولي، وخاطب الصحافيّين قائلاً: أنا العماد ميشال عون. بتعرفوني بالحرب وبتعرفوني بالسلم. ما في حدا بيقدر يدفعني باتّجاه الخطأ ولا حدا بيقدر يمنعني من كشف الحقايق، واعداً بأنّ التحقيق سيطال هذه المرّة الكبار.
لكنّ الرئيس لم يرَ نفسه ضمن أولئك الكبار. برّأ نفسه مسبقاً، وأعفى نفسه من أيّ مسؤولية سياسية أو معنويّة تارةً بحجّة اتّصال مستشاره العسكري بالأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، وتارةً أخرى لأنّه علم بنترات الأمونيوم بعد فوات الأوان. ثمّ تذرّع بالتوازن الطائفي كي لا يقيل مدير الجمارك بدري ضاهر المقرّب منه والموقوف في القضية. ثمّ تذرّع بعدم جواز إقالته إلّا باجتماع مجلس الوزراء.
وحين انكشفت علاقة الشركة صاحبة شحنة نترات الأمونيوم برجال أعمال مقرّبين من بشار الأسد، لم يحرّك العهد ساكناً لا مع النظام السوري ولا مع حلفائه. لا بل حين أعلنت شركة سافارو صاحبة شحنة الأمونيوم نيّتها شطب اسمها من السجلات البريطانية، لم تتحرّك إلا نقابة المحامين للحؤول دون ذلك.
وفي الوقت المستقطع، تفرّغ الرئيس لتوزيع هباتٍ دولية على مقرّبين منه. فأهدى هبة الشاي السيلاني الفاخر لعناصر الحرس الجمهوري، بحجّة أنّ الهبة جاءت باسمه الشخصي.
ما الذي يريد فعلاً أن ينجزه ميشال عون لو حكم ثلاث سنوات أخرى، ولو اختفى فجأةً كلّ خصومه عن الساحة السياسية؟
يريد ميشال عون أن يكون الرئيس ميشال عون وأن يكون كلَّ خصومه دفعةً واحدة.