بدأت حماوة المعركة الانتخابية تتصاعد مع إقفال باب تسجيل اللوائح، وبدأت معها الخطابات التخوينية والاتهامات العشوائية تصدر تباعاً. آخر إبداعاتها ما قاله الرئيس نبيه بري عن صرف 30 مليون دولار في دائرة صور الزهراني لكسر حركة أمل. وبصرف النظر أن هذا المبلغ لا يتجاوز قيمة سمسرة مشروع واحد من آلاف المشاريع التي ينفذها مجلس الجنوب، فإن إطلاقه بهذه السذاجة يعني بالدرجة الأولى استخفافاً بعقول مناصريه، أكثر من كونه محاولة لشيطنة الطرف الآخر.
يريد بري الذي يجلس على كرسي رئاسة مجلس النواب منذ ولادة معظم قارئي هذا المقال، أن يقنع الجنوبيّين بأنّ ثمّة «غرفاً سوداء» تُريد استهدافه باعتباره تمكن من انتزاع ما حُرم منه أبناء الجنوب والبقاع الغربي من حقوق على مدى ستة عقود، هذه الحقوق التي جعلت من كل جنوبي مشروع مُهاجر، كما جعلت أقصى طموح أبناء البقاع الغربي أن تصلهم الكهرباء لمدّة تتجاوز الثلاث ساعات يومياً. أما المدارس والطرقات والمستشفيات وغيرها من «السيمفونية» التي لطالما ردّدها على مسامعنا أنصاره، فلا ندفع ثمنها اليوم فحسب، بل أيضاً ثمن حجم الفساد الذي واكبها.
كما يُخبرنا بري بأنه يُريد مواجهة كل هذه المؤامرة عليه، بإعادة تسمية نوابه الذين فشلوا سواء على المستوى التشريعي أو الرقابي. فلم يسجّل أحدهم أي إنجاز يُذكر طوال السنوات الماضية. كما يُريد بري أن يقنعنا أن موقفه الداعم والحامي لحاكم مصرف لبنان هو نوع من المقاومة المالية، وأن استئثاره بوزارة المال هو نوع من حفظ الحقوق للطائفة الشيعية بصرف النظر عن دور وزرائه المتعاقبين في الوصول إلى الإفلاس.
ليس لبرّي ما يواجه به هذه الاتهامات إلّا تخوين مطلقيها.
لا تنفصل معركة بري كثيراً عن معركة جنبلاط، مع فارق وحيد هو سعي جنبلاط الى تكريس نجله كوريث سياسي. لا يملك الصديقان والشريكان في التسويات السياسية ما يقدّمانه للّبنانيين سوى المزيد من خطاب التضحية. وكل ما يعدهم به البيك الصغير هو أن يبقى الدار (المختارة) مفتوحاً للجميع. فمعركته ليست لبناء الدولة ولا لإقرار القوانين الإصلاحية ولا لوقف الزبائنية والمحسوبية والهدر والفساد. كل ما يختصر معركته هو أن يعد الجماهير بأن تبقى «الدار داركم».
وكما حركة أمل، كذلك الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يُعيد ترشيح معظم نوابه. فالنائب في هذا النوع من الأحزاب ليس إلّا ناقلاً أميناً ومخلصاً لقرار رئيس حزبه. فيصبح مجرّد التمايز بأي موقف تهديداً مباشراً لمقعده النيابي، ويتحوّل رأي الزعيم إلى بوصلة لتحديد أي موقف من أي قضية مهما كانت صغيرة. فالنائب في هذا النوع من الأحزاب مجرّد ساعي بريد.