لحسان دياب خبثه. وعلى هذا المبدأ شكّل حكومةً مليئةً بالأفخاخ. لا يمكن إسقاطها بالضحك. وهي على احتمالها كلّ أشكال السخرية، فإنّها تحتمل أيضاً كلّ أسباب الشر. لذلك يبدو إسقاطها بوسائل متدرّجة بين السلمية والعنف، أكثر إلحاحاً وضرورةً من حكومة الحريري. ذلك أنّها تنضوي على خطورة مزدوجة. فقد استعار دياب هذه المرّة وجه حسن نصر الله، كي يؤلّف ويشكّل، وربما يبدّله في الأيام المقبلة بوجه رستم غزالي.
لذلك، تكمن خطورة هذه الحكومة في ثلاث نقاط على الأقلّ:
أوّلاً، وجود حسان دياب دون سواه على رأس هذا النوع الحكومي الرديء. رجل لا يخفي وصوليّته وشعوره المتضخّم بالأنا خلف خطاب إنشائي يخلو من أي فهم للواقع. تُعميه مصلحته الشخصية. يعتبر أن حصوله على هذا المنصب أشبه بهدف يضاف إلى صفحات سيرته الذاتية. فهو منذ اليوم انتصر على نفسه وعلى هذيانها، وحقّق لقب رئيس الحكومة البروفيسور حسان دياب.
ثانياً، أبهرنا دياب أيضاً بقدراته التي لا تحصى. فقد قدر على طريقة البعث السوري أن يمازج بين شخصياتٍ ووزاراتٍ أبعد ما تكون عن التكنوقراط. فهذه الحكومة هي صنيعة ذهنيّة أمنيّة بامتياز، يمكنها منافسة تشكيلات رستم غزالي نفسها ومسوّداته في اختيار الأسماء والمكوّنات والحقائب. هي أقرب ما تكون داخل ملهاة ملحمية في مسرح شكسبير. لكنّ مسرح البروفيسور سيكون جحيماً على لبنان واللبنانيين.
ثالثاً، تكمن الخطورة الثالثة لهذه الحكومة في معاييرها التجميلية وقبحها الضمني. فهي، على لبوسها مظاهر الأكاديميا والليبرالية والنسوية، تخفي الجشع والحقد والانتهازية والسلطوية. وقد استطاع دياب، بخبرته الأكاديمية الطويلة، تطويع منهجيّته البحثيّة، فاختار ما يناسب رؤسائه ومستشاريهم (نصر الله وباسيل). جاء لهم بأسماء بعضها متقاعد منسيّ، وبعضها فاسد، وبعضها ربيب الحكم المصرفي، وبعضها تكنوقراطي وصولي، وبعضها خريج المدرسة الأسدية، وبعضها لا وزن له على الإطلاق. هي تحتوي مكوّنات انتحاريّ يريد قتل عدوّه. وعدوّه هو نحن، بوصفنا مواطنين ومغتربين ومهجّرين ولاجئين، بوصفنا ضحايا هذه المنظومة التي أراد حسان دياب ببروفيسوريّته أن يؤكد غلبتها علينا. فتنجح نظريته الفيزيائية.
بتبديدها رغبة الشعب، تتجهّز الحكومة بأدواتها هذه وشخوصها لإبادة الثورة بكل ما هو ممكن ومتاح. وربّما نرى مجدداً عناصر القمصان السود صفاً أوّل، وخلفهم دبابات وهراوات الجيش وقوى الأمن. وربّما، هذه المرّة، لن تسقط عيون الثوّار وحسب، بل أجسادهم أيضاً. يكفي أن يكون وزير الداخلية جنرالاً عسكرياً وابن سلك مخابرات الجيش، وله باع طويل في هذه المنظومة، إضافة الى كونه مستشاراً أمنياً لأحد المصارف، كي نستشرف السيناريوهات المحتملة. لقد فهم حسن نصرالله لعبته، وكان ردّه واضحاً لا غبار فيه. أسقطتم حكومتي الأولى، هنيئاً لكم. ها أنا اليوم بأذرعٍ أقوى. أخطبوط دويلة حزب الله برأس أفعى البروفسور.