صباح اليوم، تبلّغ محمّد بزيع، القيادي في قطاع الشباب والطلّاب في الحزب الشيوعي اللبناني، مذكّرة جلب من المحكمة العسكرية بدعوى إحداث تخريب ومعاملة العناصر بالشدّة، مقامة عليه من «الحقّ العام». وتأتي هذه الخطوة استكمالاً لاعتقاله بتاريخ 11 شباط 2020 وحجزه في ثكنة الحلو لأكثر من 48 ساعة.
لا عجب في الموضوع، إذ من المتوقّع أن تضاعف الدولة بوليسيّتها كلّما مضينا قدماً في الانهيار، وكلّما عجزت عن تقديم حلول جدّية، وكلما زاد المعترضون. لكن في الدعوى ما هو طريف، وما هو وَقح.
«إحداث تخريب»
في 11 شباط، تهافت المتظاهرون إلى المجلس النيابي رفضاً لجلسة الثقة. وتبيّن فيما بعد أنّ هذه الحكومة حقّاً لا تستحق الثقة، لا سيّما بعد مضيّها في رمي وزر الانهيار على عاتق الفئات الشعبية. يومها، وعلى المدخل المحاذي لمبنى الإسكوا، قطع المحتجّون الطريق بأجسادهم، وكان بزيع واحداً منهم، يحمل بيده ميغافون، ويجلس على قارعة الرصيف، مخاطباً عناصر الجيش والمكافحة طيلة الوقت، مشيراً إلى درجة استغلالهم مقابل امتيازات الضبّاط، إلى أن جاء القرار بسحل المتظاهرين لفتح الطريق، وسُحب بزيع من بينهم.
هذه هي القصّة باختصار. أين التخريب؟ حتّى أنّ الاعتقال يومها كان بحجّة «إثارة التحريض»؛ كيف ولماذا أصبحت الدعوى الآن «إحداث تخريب»؟ الطريف في الأمر أنّه، في اللحظة التي حاولت فيها السلطة لملمة شيء من هيبتها عبر استدعاء شابٍ عشريني، تمكّن أحد المواطنين من دخول قصر العدل، المواجه تماماً للأمن العام، مُسَلّحاً، ووصل إلى مكتب هيئة محكمة الجنايات، حاملاً سكّيناً، وقنبلتَين يدويّتين، وتمكّن من فتح إحداهما، قبل أن يمسكه أحد العناصر على باب المكتب. فحبّذا لو تتكفّل الأجهزة الأمنية بمهامها، وتنأى بنفسها عن الممارسات البعثية.
«معاملة العناصر بالشدّة»
هنا بعض من إفادة بزيع بعد خروجه من ثكنة الحلو:
[...] سَحبوني، ودائماً مع الضرب [...] وأنا على الأرض، أمسَك أحد العناصر بسبّابة يدي اليُسرى وحاول كسرها بِلَيّها إلى الخلف قبل أن أتمكن من سحب يدي. لاحقاً، فيما أنا أواجه حائط مبنى الإسكوا لتفتيشي قبل التوقيف، وقد خلعتُ حذائي، تقدّم عنصرٌ وهرس أصابع قدمي اليُسرى بحذائه الرينجر [...] اقتادني عناصر مكافحة الشغب إلى خلف آليّتهم العسكرية المركونة بعيداً من أعين المتظاهرين والإعلام، حيثُ تَحَوّلتُ لمدة ربع ساعة ربّما إلى ما يشبه كيس البوكسينغ الخاص بالفرقة. ضربٌ مُبرح على كامل الجسد بالكفوف والبوكس والعصا مع إهانات وشتائم.
الطريف والوقح في الأمر أنّه وفق هذه الإفادة ووفق ما وثّقتْه الكاميرات، يُفترَض ببزيع أن يقيم الدعوى على الأجهزة الأمنية بتهمة المعاملة بشدّة، لا العكس. ويُفترض في دولةٍ تمتلك أدنى مقوّمات الدولة، أن يُحقَّق مع المعتدين واحداً تلو الآخر، وتبّاً لمعنويّاتهم– جواباً على مرافعة وزير الداخلية محمّد فهمي التي تبرّر اعتداء العناصر الأمنية على المتظاهرين.
الدعوى مقامة من «الحقّ العام»
الوقح هنا، هو استخدام المحكمة العسكرية صيغة «الحقّ العام» حجّةً للاستدعاء، وقد تكون هذه مجرّد زلّة. إذ ربّما قصدت الحق الخاص (للأوليغارشيين)، أو ربما اعتبرت سياج المصرف حقّاً عاماً. لكنّ الأكيد أنّ هذا يختلف بنيويّاً عن حقّنا العام.
حقّنا العام مثلاً، صفّق لبزيع بعد خطابه، وافتخر بما فعله هذا الشاب خلال انتفاضة 17 تشرين. حقّنا العام الذي صادرته المصارف، كان يهلّل فرحاً كلّما قرأ بزيع بياناً من داخل المصرف، وكلّما حطّم رفاقه واجهة مصرف.
حقّنا العام كان ينمو، لامركزياً، كلّما حاضر بزيع بين الفئات الشعبية، في الجنوب وفي طرابلس وفي العَين.
حقّنا العام كان يقطفه مزارعو التبغ بأيديهم كلّما هاجم بزيع إدارة الرِيجي يوم احتكرت محصولهم وسرقت جنى موسمهم.
حقّنا العام لن نحصل عليه سوى بهدم المنظومة هذه التي تسلبنا إيّاه، من اقتصادها المُلَبرَل وصولاً إلى أجهزتها الأمنية وما بينهما، وبمحاكمة من اعتدى فعلاً على الحق العام.
حقّنا العام يرفع لكم الوسطى، ويقول كما قال بزيع يوم اعتقاله: دولة هبلة.
حقّنا العام، لا يمكن أن تستعملوه يوماً لمحاكمتنا؛ بل هو الذي سيحاكمكم، ولو بعد حين.