شخصية وزارية خفيفة تعيش في عالم خيالي. تسير وحدها في الشارع. تنتقل من حانة لأخرى في ليالي العتمة. العتمة التي، الوزير نفسه ومن يمثّله، مسؤولون عنها. يشرب كأساً يومياً، كعادته، لأنّ على الحياة أن تستمرّ على الرغم من المآسي. مأساة الدواء؟ مأساة الليرة؟ مأساة البنزين؟ مأساة الخبز وحليب الأطفال؟ ربّما كل هذا مضاعفاً مع مأساة غرق اللبنانيين في البحر. يخرج الوزير «الكول» من علبة الليل فتستوقفه مجموعة من المواطنين. تحادثه لا تجادله، إذ يبقى هو من دون ردّ. هو يسمعهم ولا يسمعهم، يعيش في عالمه. يتطوّع أحد الموجودين بهدوء متناهٍ، ويدفعه ليستقرّ على حائط خلفه، مصدوماً. هذا عنف، نوع من أنواعه أقلّه. أكيد.
«دفشة الوزير» وليد فياض تبعث على القلق.
وصل الحدّ باللبنانيين إلى ممارسة العنف على بعضهم بعضاً نتيجة كل هذه المآسي. قبل دفشة الوزير، كانت بيروت أشبه بأمستردام حيث تقول الحكاية إن سجناً تحوّل إلى فندق. وجاءت الدفشة لتنغّص هذا المشهد. دفشة سيكون لها تأثير على أحلام اللبنانيين. ستنصبّ كل الجهود الرسمية لمعالجة تداعياتها. من شأنها أن تؤثّر على أمن الناس وإيمانهم بالدولة والمؤسسات. من آثارها أيضاً ضرب موسم السياحة في الأشهر القادمة. دفشة الوزير ستقطع عنّا الاستثمارات المتدفقة. وكذلك مشاريع التنقيب عن النفط والغاز. الدفشة تضرّ بصورة لبنان واللبنانيين عموماً.
«دفشة الوزير» وليد فياض تبعث على القلق.
الوزير وليد فياض يمنّننا أنه يمشي في الشوارع بلا مرافقة أمنية ولا شبيحة. يمثّل سلطة سياسية من ميليشيات وبلطجيين، لكنّه مختلف عنهم. نزل علينا بالباراشوت وزيراً في حكومة مستشاري مستشاري المستشارين. تساهم حكومته في نهب ما تبقى من مال عام وتطمس مختلف التحقيقات وتمنع المحاسبة فيها، لكن علينا الالتزام باحترامه لأنه يتمثّل بالمواطنين العاديين. المواطن العادي تسمّر على التلفزيون يوم أمس لمتابعة آخر المستجدات الحاصلة في البلد: اشتباكات طرابلس، غرق، اشتباكات عائشة بكار، إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، قصف مدفعي إسرائيلي، وغيرها من الأحداث التي تتّخذ شكلاً من أشكال المآسي. لكنّ الوزير لديه متّسع من الوقت للتنفيس عن نفسه ومتابعة حياته بشكل طبيعي، ولو أنّ حكومته أعلنت حداداً رسمياً.
«دفشة الوزير» وليد فياض تبعث على القلق.
دفشة الوزير المقلق فيها أنها جاءت على يد مَن سبق له أن شارك في الاعتداء على «سوريّين» كسوريّين. دفشة الوزير المقلق فيها أيضاً اعتبار فياض أنّ «توقيف المعتدي أو المعتدين لا يكفي، بل يجب أن ينال عقاباً باسم الشعب اللبناني يحول دون تكرار ما حصل». الوزير يؤكد على أنّ «كرامات الناس أياً كان موقعها ليست رهناً لأحد». هو العالم الخيالي الخاص، حيث توجد كرامات في زمن بؤس شامل، وإعادة اعتبار لشعب لبناني مدعوس على كل الصعد.
إن كانت الدفشة قد مسّت بكرامة أحد، فثمة عطب جوهري. وإن كانت كرامة أي وزير من السلطة الحاكمة من كرامة اللبنانيين، فثمة عطب إضافي. فـالدفشة، فعل قليل نسبياً للتعبير عن مدى السخط والغضب والإحباط والأسى والتوتّر والفشل الذي يعيشه اللبنانيون. بمناسبة أو من دونها، مشاهدة سياسي في أي بلد منكوب في العالم، من شرقه إلى غربه، في زمن مآسٍ شبيه، يستدعي تحرّكاً أعنف. لم يتمّ سحل الرجل في الشارع كما حصل مع شبل ياسين وآخرين في موقعة ثكنة الحلو مطلع كانون الثاني 2020. لم تُفقَأ عينه بالرصاص المطاطي كما حصل لعدد من الناشطين في ساحات بيروت. لم يفجَّر في غرفة جلوسه يوم 4 آب. لم يُصَب قلبه بأي أذىً كما حصل مع فراس حمدان يوم 8 آب. ليس الدفاع عن دفشة الوزير حضاً على العنف وممارسته.
«دفشة الوزير» وليد فياض تبعث على القلق.
ولو أنه من المنطقي والمتوقّع جداً، أن يخرج مواطن، أو مواطنة، شاهراً سكيناً لينكبّ على طعن جثة مسؤول. لا بل من المستغرب أنّ هذا الأمر لم يحصل بعد في بلد الانهيارات الشاملة. ربما لأننا نعيش على «حبوب الأعصاب» أو مشتقّاتها أو بدائلها. أو لأننا تعلّمنا في بيوتنا التعايش مع الأزمات والحروب، وتوضيب شنطة على مدخل المنزل للهروب بها. أو ربما لأنه لم يُرمَ بعد أي رجل سياسي في مستوعب نفايات ليأخذ فيها «سيلفي» أو يغنّي «كلمة حلوة كلمتين».