تحليل العهد العونيّ
فادي بردويل

عهدٌ يحلم بجمهوريّة صمتٍ وOTV

23 حزيران 2020

وفي وقت تستكمل مهزلة الدولار والانهيار فصولها، تعمل الخناجر في الظهور وتُسخَّر المنابر للفجور وتتغرغر الحناجر بالبخور لأمراء الحرب وأرباب القصور… كلام مأجور لتافه مسعور بتحريك من محرّض موتور. خليط مولوتوف متفجّر من الجهالة والنذالة والسفالة.

مقدّمة نشرة أخبار أو. تي. في، 22/06/2020

 

إذا نجحنا بمقاومة إغراء الغوص بتحليل بلاغة الشكل الأدبي لمقدّمة النشرة البرتقاليّة ونظرْنا إلى المضمون وحسب، نقع على سلسلة إهانات واتهامات متراصّة. لم تترك المقدّمة باباً من الشتائم إلّا وفتحته على شركائها في الوطن. فأعلنت خروجهم عن كلّ شيء تقريباً. بجملتَيْن نفَتْهم خارج العقل (جهالة)، والاتّزان النفسي (موتور)، والأخلاق (فجور، مسعور، تافه، نذالة، سفالة)، والاستقلال السياسي والأمانة (مأجور، خناجر في الظهور). وبالطبع، لم تنسَ القيام بإعادة التذكير بالماضي الدمويّ لشركائها (أمراء الحرب) وابتعادهم عن هموم المواطن العادي (أرباب القصور).

فتحت المحطّة نيرانها الإعلاميّة بعد بضع ساعات على مناداة رئيس الجمهوريّة أقطاب النظام إلى الحوار مجدّداً، مبرِّراً ذلك بضرورة تحصين السلم الأهلي وتفادي الانزلاق نحو الأسوأ وإراقة الدماء. فنمّ ذلك عن تحلّي المحطّة بروح المسؤوليّة التي يدعو إليها الرئيس دائماً وبالالتزام بحرصه الشديد على السلم الأهلي. لكنّها لم تكتفِ بذلك. فجهدت لوضع رؤيته لحريّة الصحافة قيد الممارسة. فقد نوّه الرئيس بأهمّية الصحافة الحرّة، محدِّداً وظيفتها بلفت نظر الحاكم إلى مكامن الخلل، وأشار إلى ضرورة التمييز بين معنى حرية الصحافة وحرية الشتيمة الشائعة اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، مشدّدًا على ضرورة صياغة قانون يضع حدّاً لهذا النوع من الممارسات.


لا شكّ أنّ أخذ النقاش الدائر اليوم نحو ترسيم الحدود بين حريّة التعبير والشتيمة أو نحو فصل المطالب المحقّة عن الوسائل التي تشوّهها، كما فعل النقيب ملحم خلف، يخطئ الهدف ويستدرج النقاش إلى ملعب السلطة. فالمحكّ الفعلي ليس هنا. ليست الشتيمة بيت القصيد. ذلك أنّ تصريحات سياسيّ النظام وبيانات إعلامه مليئة بالاتّهامات المتبادلة والتخوين والشتائم. المحكّ الفعليّ للحديث عن الشتيمة هو تجريم الذين تجرّأوا على الخروج عن الطاعة منذ 17 تشرين. أولئك الذين كسروا احتكار النظام للغة السياسة وقواعد ممارستها.

ليست مشكلة النظام مع الشتيمة، بل مع كسر 17 تشرين اقتصاد إنتاج الشتيمة واحتكارها من قبل نخب النظام لتغذية عصبيّاتهم المتناحرة.

فموقع إنتاج الشتيمة العامّي غير العصبيّ، وسبل تداولها العفوي بين الناس، أعادت صياغة وظيفة الشتيمة. فتحوّلت من أحد أساليب التخاطب بين أركان النظام لشدّ عصب مناصريهم واستفزاز خصومهم إلى إحدى علامات الخروج عليه والتأسيس لسياسة مغايرة.

لم تأتِ الهيلاهو لشدّ عصبيّة جمهور مكوّن سابقاً ومعروف الملامح السياسيّة، بل قلبت تلك الوظيفة للشتيمة رأساً على عقب. فلعبت دوراً في تجميع الأفراد المنشقّين وشرعت في تكوين جماعة سياسيّة خارجة عن النظام وعصبيّاته.

المطلوب اليوم، ببساطة، هو إعادة الأمور إلى ما قبل 17 تشرين من خلال إقصاء أجساد المواطنين والمواطنات المجرّدين من النسب الحزبي-الأهلي المعروف مسبقاً، عن الفضاء العام وإسكات ألسنتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

فمن أين أتوا بكلّ تلك الوقاحة التي جعلتهم يتطفّلون على اللعبة المقفلة بين الأخوة- الأعداء؟ كيف نغلق تلك الكوّة في جدار النظام التي أتاحت للعامّة حقّ الكلام مع أسيادهم من الندّ للندّ؟ كيف نخنق الكلام الحارق، المباشر، لكي يحتكر سجع الأو. تي. في وأخواتها الفضاء العام؟

تؤرّق تلك الأسئلة بال العهد القوي الذي يخوض معركة استنزاف مع الذين خرجوا على النظام في 17 تشرين لتدجينهم وإعادتهم إلى بيت الطاعة. سنّ القوانين، تجريم المسّ بمقام رئاسة الجمهوريّة، اعتقالات الأجهزة الأمنية، إجبار الناشطين على توقيع تعهّدات، حَرْف النقاش عن عنف النظام وجرّه إلى الشتيمة… هذه كلّها ليست إلّا بضعة أسلحة في ترسانة مختلطة، تتجاور فيها عصيّ الشبّيحة وقوانين الدولة، تُستخدَم لإنهاك الناشطين والناشطات وإعادة ترسيم حدود الكلام المباح.


يتذمّر رئيس الجمهوريّة من المجتمع الذي لا يساعده على تحمّل مسؤولياته الرئاسيّة: فهو ينتقد وفي المقابل لا يقدّم المساعدة المطلوبة، بينما يعمل الرئيس على بناء لبنان من جديد. وها قد وضعت مقدّمة الأو.تي.في لبنةً أولى في عمليّة بناء لبنان جديد بعيد كلّ البعد عن شتائم المنتفِضين التي، كما ذكّرنا نقيب المحامين، لا تبني الأوطان بل تهدمها.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد