تعليق ثورة تشرين
سامر فرنجية

دولاب الجيش اللبناني

4 أيار 2020

بدأوا بضربي بعد اعتقالي مباشرة داخل شاحنة الجيش، ثم توجهوا بنا إلى ثكنة زغيب. هناك تفنّنوا بتعذيبنا. تارةً استخدموا «النبريش» وتارة أخرى قبضاتهم. أحد العسكريين بلّل جواربنا ثم صعقنا بالكهرباء. كنا معصوبي العينين، مكبَّلي الأيادي. ضربونا بوحشية، وأهانونا بشتى الوسائل.

هكذا وصف أحد الشبّان التعذيب الذي تعرّض له ورفاقه داخل أحد فروع مخابرات الجيش، بعد توقيفه إثر الاحتجاجات الأخيرة في صيدا. ورغم قساوة المشهد المرويّ، قد يكون التعذيب مصير المحظوظين من المحتجّين. فقد جاءت هذه الحادثة بعد واقعة اغتيال القوى الأمنية لمتظاهر في طرابلس واستعمالها للرصاص الحيّ لقمع الاحتجاجات الأخيرة. ربّما لم يكن يمزح وزير الداخلية عندما أعلن، تحت نظرات إعجاب إعلاميّيه، الانتقال من مرحلة «المنع» إلى مرحلة «القمع».

فأهلاً وسهلاً بجمهورية الدولاب والصعق بالكهرباء والقتل.

التعذيب لم يأتِ من عدم، وليس استثناءً ناتجًا عن تصرّفات بعض العناصر غير المنضبطة. التعذيب محفور في بنية الأجهزة الأمنية اللبنانية، من شرطة المجلس التي نكّلت بالمتظاهرين إلى مخابرات الجيش التي عذّبت المعتقلين، مرورًا بأمن الدولة وتلفيقه للقضايا، والأمن العام وتعنيفه لكلّ من يمرّ بسجونه، وغيرها من الأجهزة. رغم المتاهة الطائفية للأجهزة الأمنية في لبنان، فهي تتكلّم لغة مشتركة، مفاهيمها، من «الكرسي الألماني» إلى «النبريش»، موحّدة، وحنينها واضح لأيّام الوصاية.

الحادثة الأخيرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فمنذ اندلاع الثورة، و«لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان» توثّق شتى أنواع التعذيب والعنف اللذين تمارسهما القوى الأمنيّة ضدّ العديد من الموقوفين. لكنّ هذا الاستعمال المكثّف للتعذيب لم يبدأ مع الثورة. فمن حادثة قتل موقوفين سوريّين تحت التعذيب إلى قضية زياد عيتاني وتعذيبه، مرورًا بتعذيب المعتقلين الإسلاميين، هناك تاريخ كثيف وراء هذه الحادثة، تاريخ أراد البعض تجاهله باعتباره حدثًا استثنائيًّا. ولكنّ الاستثناء أصبح القاعدة، وإن كنّا لا نريد مواجهة هذه الحقيقة.

ليس التعذيب مختبئًا في أقبية مقرّات الأجهزة، بل طفا على سطح الخطابات التي مهّدت الطريق إلى أقبية ثكنة زغيب، من خطاب «المندسّين» الذي برّر التعرّض لبعض المحتجّين إلى خطاب تمجيد المؤسّسة العسكرية واعتبارها «خط أحمر».

سقطت هالة مؤسّسات الحكم في لبنان، وما زالت القوى الأمنية، وبالأخص المؤسّسة العسكرية، تحتفظ بحصانة بات من الضروري رفعها، خصوصًا وأنّ تلك المؤسسة لم تجد إلّا خطاب تربيح الجميلة لتبرير قمعها.

أهلاً وسهلًا، إذًا، بجمهورية الدولاب، هذا الدولاب الذي بات رفيق درب الحكومة في رحلتها نحو صندوق النقد الدولي.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
ما هي الفصائل المُشاركة في عمليّة «ردع العدوان»؟
الراعي جمال صعب شهيدٌ جديدٌ للخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار 
قوّات الاحتلال تقتحم المستشفى التركي في طوباس
10 شهداء في العدوان الإسرائيلي على لبنان أمس الاثنين
معارك في دير الزور لطرد الميليشيات الإيرانيّة
81 شهيداً 304 مصابين منذ بداية عدوان الأسد وروسيا على إدلب وحلب