يقف لبنان على حافة الانهيار. وفيما تزدهر الرأسمالية وتتّسع الأزمات، يزدهر ويتّسع أيضًا ما هو مضاد لها. في هذا النص، بدايات لمحاولة خلق معجم لمصطلحات الرأسمالية من منظور أدوارها والحالات الذهنية التي تنتجها.
أزمة - تعافٍ
لا يمكن للتراكم والتوسّع الرأسمالي إلا أن يكونا تشخصَيْن مَرَضيّين مرتبطَيْن بالإفراط، على الرغم من مظهرهما العقلاني. الرأسمالية غير مستدامة. يسرّع الإستلاف الاندفاعات العنيفة لهذا التناقض - أي أزماته - وعناصر تفكيك نمط الإنتاج القديم (ماركس). التكيّف كذبة، والتعافي خادع، لأنه اسم يدمّر باسم إعادة البناء. يُبنى مفهوم التعافي على الرجوع إلى نقطة سابقة - النقطة التي غرّبتنا وقيّدتنا في المقام الأول. يغيّر هذا الدمار ذاته الزمان والمكان. لا يفهم البعض التحرّر كحالة ليس فيها شيء لنخسره، لكنّ مفهوم التعافي بنفسه يتحطّم عندما يهيمن عدم الاستقرار المالي على العقلانية الرأسمالية في محاولة لجعلها منتجة (ميزادرا ونيلسون). يتساءل الناس أين ذهبت أموالنا المنهوبة. إلا أن المال لم يكن أصلًا في مكان حتى يُغيّر مكانه. لم يكن المال مالًا بالأساس. ذلك أنّ التراكمات الوهمية تُعتبَر مؤشرًا صحيًا لرأس المال، وهي أبدًا/أصلاً وهمية. ثمة حاجة للمؤشرات غير الصحية حتى ولو كنا نعاني منها. لن تستطيع تحمل تكلفة الصحة عندما تكون المؤشرات اللاصحية هي التي تخبرنا بماهية الأشياء التي علينا أن نحارب لأجلها. لا انفراج إلا في الأزمات، الأزمات تَناقضٌ نحتاجه.
حالة - دولة
يمكن أن تعود الصدمات (الفقدان والمعاناة) من خلال التكرار والاسترجاع اللاواعي. القمع ينتج التكرار القهري، أي الإكراه على التكرار، ويمكن لهذا التكرار أن يكون قمعيًا، ومثبتًا، ومثبطًا، ووسواسيًا. يمكن أن يتخذ تكرار المِحَن أشكالاً عديدة، وأن يكون طريقة لاحتراف التماثل أو التآلف مع سلوك الوالد/ السيّد.
الدولة قمعية مَرَضيًا، خاصة عندما تبدو ليبرالية. يتعدّى قمعها الاستخدام الصارخ للقوة التعسّفية أو المفرطة (أو النشاط اللاواعي للقمع). يُعتبر تسليح التهديدات الأمنية والسلم الأهلي وزعزعة الوضع الراهن والذاكرة وسائل متناقضة للتحريض على الحرب بغية إبعادها. تستمتع الدولة بالاستشارات والتسويف كاستراتيجيات مستعارة تموّه إيمانها بوجود عدوّ في الداخل. أو حربًا غير معلنة، عبر جلسات استماع ليبرالية (وذلك لا يعني أنها ديموقراطية) تملؤها أوهام التحالفات.
يدّعي المنتفعون من الحرب وما بعدها - أي جميع من لهم السلطة - التماهي مع حالة اليأس والمعاناة. يتآلف المستفيدون مع ضحاياهم لكي يتمكنوا من استباق إنقاذهم، عبر طرق متعددة ليست تحررية. لا تكون الضحية ضحية لولا وجود جانٍ مستفيد مُنقذ (مايستر). وكلما كبر التماهي مع الخسارة، كلّما كبرت الاستفادة منها، أي أن الشيء كلّما نقص، زاد.
تقشُّف - قلق
يعتبَر القلق حول رأس المال أثراً عاطفياً وعلاقة مع الذات والآخر. يمكن تبسيط الأمر بهذه الطريقة: مالك الشيء قد يخسره، وفاقد الشيء لا يخسره. لكنّ المشكلة التي تكمن في أن تملِك وأن تُملك (بيس) مشكلة معقّدة ومثيرة للقلق. يصبح التَملّك رهانًا على ما لا يملكونه، ومجازفة وتداول لما يملكونه، وقيمة إضافية على كل ذلك. يراهنون على التقلبات والخسائر ويستثمرون فيها. تصبح خسارتنا فعلاً كائناً أبدًا/ أصلًا.
يصرّح رأس المال بأنّ قلقه بنيوي، ويسأل: لماذا تقلقون لو لم يكن لديكم ما تقايضونه؟ لا يحق للعمل أن يقلق، طالما ظل يبيع وينتج نفسه، وظل مديونًا، وتنبّه إلى الطريقة التي يُنظر بها إليه. فالعمل مَدين للأثرياء القلقين لكي يحافظوا على قلقهم، وعلى رؤيتهم للعالم على أنه مُكتسب ومُوزّع ومُتداول بشكل عادل، وعلى احتكارهم للقلق. إنّه حق لاواعٍ للأغنياء بتملّك القلق: هذه عوارض قلقهم، (أنظر إلى الفائض الاقتصادي مثلًا، والإطار الزمني للاستثمارات، والديون، وبرامج وتطبيقات تقلّب السوق). يصبح الرهان على سرقة المتعة رهانًا على القلق.
كُتبت حكاية التاجر القَلِق بكلمات الائتمان والسندات والتأمين والممتلكات، وكل تاريخ العبودية الذي يشكل ماضي/تاريخ رأس المال القَلِق. أما قصة اليوم، فتكتَب بالتماهي المفرط مع القلق (كما شرحنا عن تماهي الجاني/المنقذ سابقًا) وتحميل المجتمع الخسائر عبر التقشف. كلنا في المركب نفسه! وبينما تُخصخَص ملكيات وسائل التداول، فإن مخاطر الإفراط في الاستثمار تؤمَّم لكي يتحملها المجتمع ككلّ بطرق متنازعة وغير متساوية (تشوا).
رأس المال دورٌ يُلعب، وسلعة ومال، وعلاقة مع الآخر، وهو بالقدر نفسه حالة ذهنية. تجتمع «العقلية الغنية» حول تحديد الخسارات وتوقّعها وتوزيعها (بدلًا من خفض الربح، أو بيع الأصول، أو اقتطاع الإنفاق، أو امتصاص الصدمة، أو فرض الضرائب على الأغنياء، أو رفض الديون، أو إنهاء الدوافع التراكمية…). عقلية تسعى لأن تكون خسارتها أقل من خسارة الآخرين، وأن لا تكون خسارتها خسارة. يمتصّ «الرأسماليون الصالحون» و«الاشتراكيون الصالحون» خسائر رأس المال الناتجة عن أخطائهم، فيما يرفض «الرأسماليون السيّئون» استيعاب الخسارات المرتبطة بقراراتهم السيّئة والشريرة (قزّي)، لا! ذلك أنّ رأس المال يتشكل كإرث من تراكم الثروة، أو الرغبة في هذا التراكم. لا وجود لرأسمالية جيّدة.
هل تعاني الرأسمالية من نقص النقص - من فائضه؟ أنا رأس المال، المستضعف الجديد بسبب قلقي، لي أدوات عديدة تحدّد تراثي، والتقشّف واحد منها. عليّ أن أبقى مستضعَفًا لأنّ قلقي يحدّد ماهيّتي، هذا القلق الذي يشكله خوفي من أن تبيدوني (أو تنيكوني، لم أعد أعرف الفارق بينهما). أراكم في كل مكان ولا أعرف بأي شكل ترونني. القلق هو الإحساس برغبة الآخر (لاكان)، أراهن على ذلك، لأن في ذلك ما يبرّر أن أبقيكم بحالة جيّدة، مُفقَرين، ولكن موهومين - بوهم الرفاهية والراحة - بأنكم غير قلقين.
بينما تُوزَّع الخسارة، يراهن رأس المال على نموّك، ويستثمر في ديونك، ويساعدك على التعافي، لكي تكون مدينًا له لأنه نجّاك من الديون. الإصلاح هزيل، يظهر فيه التقشّف وسندات التأثير الاجتماعي كوجهين لعملة واحدة. يصبح رأس المال حسنًا في الأخلاق. لكنّ ما سيحدث في النهاية هو احتكار الملكية، واحتكار القلق نفسه: أنا مدين لك، لأنك تُشعرني بتحسّن تجاه قلقي (الذي أحتاج إلى الحفاظ عليه)، أحلامهم طردك، وفي النهاية، لا تحرق الدنيا بمن فيها! (هارني وموتين). أستطيع، أنا، المستضعَف الجديد، أن أجعل كلّ ما هو صلب يذوب في الهواء - الهواء الذي تُتداول عبره السندات المحدودة - والذي أستخدمه لتبرير ما ليس لديّ.