في مقال سابق، وبالتزامن مع القرار القضائي الذي يمنع تمديد مدّة عمل «سوليدير»، أشرنا إلى أنّ الشركة تحتل وسط البلد وتمارس احتلالها بكافّة السبل المتاحة، واتّفقنا كذلك أن مواجهتها واجب.
إلّا أنّ القرار لم يكن كافيًا، وها هي القضية قد نامَت من جديد.
ببساطة، لأنّ سوليدير أقوى من القضاء.
عند الحديث عن مصطلح «أقوى»، يكون الكلام بالتجريد، إلّا أنّ ما يجب إدراكه، هو أن هذه المسألة ليست مجرّدة. فقوّة سوليدير وجبروتها مسألة ملموسة تستند إلى أساساتٍ مادية صلبة. تستند بالتحديد إلى «شبكة»، متينة للغاية، وفيها أفراد وشركات ثانوية ومصالح ومؤسّسات. إلى حدّ تشبيه «سوليدير» بالأخطبوط.
ولِد أخطبوط سوليدير من أبٍ اسمه «سعودي أوجيه»، لصاحبه المقاول رفيق الحريري، ومن أمٍّ اسمها «الاقتصاد الرَيعي النيوليبيرالي». معًا، أنجبا شركة عقارية، تمكّنت بأذرعها الأخطبوطية أن تحتلّ العاصمة، وأن تقوم بواحدة من أكبر عمليات السطو التي عرفتها البلاد.
لهذه العملية مرتكزات عدّة: • بدعة الأسهم • تخمين الأملاك • الاستحواذ على الأملاك البحرية • الصفقات (صفقة سوق الصاغة)...
يكمن طرف آخر من هذه العملية في طبيعة مجلسة إدارة سوليدير نفسه. فتركيبته تكثيف لما اصطُلح على تسميته طبقة الـ1%. أشهر أعضائه ناصر الشمّاع (رئيس مجلس إمارة سوليدير)، رجا سلامة (أخو الحاكم)، نادر الحريري (ابن عمّة سعد الحريري)، محمّد شقير... «ع اللبناني»، الحصص مثالَثة بين سعد الحريري، علاء الخواجة، وأنطون صحناوي، يتقاسمون 11 عضواً.
إلّا أنّ الأهم من أسمائهم، هو ما يمثّلون، إذ أن لمعظمهم مناصب في مصارف، منها • SGBL • UBS Bank • Cedrus Invest Bank • HSBC • BankMed • Bank Beirut Riyadh • …
ولدى هؤلاء نشاطات كثيرة، منها أنّهم أسّسوا شركات (عقارية، استشارية) خاصّة لكل واحد منهم على حدة.
والآن تخَيّلوا رسمًا فيه نقاط متسلسلة بين طرفَين:
• الطرف الأخير، الشركات الفرعية، يرأسها أحد أعضاء مجلس إدارة سوليدير • عدد من هذه الشركات يستدين دوريًا من سوليدير • طبعًا، سوليدير توافق على التسليف (كَون الأشخاص عينهم في المكانَين) • إنّما من أين لسوليدير أموال التسليف؟ مصادر عدّة، أهمّها الأسهم (مقسومة لفئتَين، أ وب، والفئة أ تعود إلى أولئك الذين استحوذت الشركة على أملاكهم بأقل من قيمتها الفعلية) وبشكلٍ غير مباشر، المال العام، وهو الطرف الأوّل من الرسم.
بذلك، يُعاد توزيع الأموال بحركة من الأسفل (الناس: الملّاكون، دافعو الضرائب) إلى أعلى (الشبكة المكثّفة في مجلس إدارة سوليدير، عبر امتداداتها).
طبعًا كل ذلك، وغيره، مخطّط وممنهج منذ عقود. حتّى الدعاية التي من شأنها تلطيف احتلال الشركة، ممنهجة. هاكم التسلسل الزمنيّ:
• 1991: تمرير قانون يسمح لبلدية بيروت أن تُنشئ شركة عقارية لإعادة الإعمار. • 1993: تأسيس تلفزيون المستقبل. • 1994: تأسيس شركة سوليدير. • 1999: تأسيس جريدة المستقبل.
طبعاً كان للوسيلتَين الإعلاميّتَين دور أساسيّ في الترويج للحريرية السياسية عمومًا، ولكن ضمنًا: شركة سوليدير. فالتلفزيون، جَمّل عملية احتلال المدينة، تحت عنوان إعادة الإعمار وعودة بيروت للبيروتيين (الذين هُجّروا منها بسبب الشركة). والجريدة، التي كانت في بدايتها تتوجّه لروّاد الأعمال والإداريين، عمّمت صورة المنقذ البزنسمان الذي أمسى حينها رئيسًا للحكومة.
الطريف بالموضوع، هو المصير المشترك الذي انتهت به أذرع الأخطبوط. فشركة سوليدير مديونة اليوم وتواجه أزمة قضائية، وتلفزيون المستقبل أغلَق وكذلك الجريدة، بعد الإفلاس. المؤسف بالموضوع، مصير العاملين بهذه الشركات. أمّا سوليدير، فالعاملون فيها هم عمليًا البيروتيّون وسكّان المدينة، الذين عملوا لأعوام كي ينتجوا مدينةً سُرقَت منهم، أو للدقّة، احتُلَّت.
من هنا الدعوة الدائمة للمواجهة:
حاربوا شركة سوليدير. سَمّوا إداريّيها. افضحوا شبكتها العنكبوتية. أعيدوا المدينة لمن أنتجها!