أصدرت المحكمة العسكرية، اليوم الأربعاء، مذكّرة جلب بحقّ الكوميديّة شادن فقيه بتهمة المسّ بسمعة المديرية العامة لقوى الأمن والتحقير، وذلك على خلفية اتّصالها ذات مرّة بقوى الأمن للاستفسار عن إمكانيّة التجوّل بغية شراء فوطة صحيّة خلال الحجر الصحّي.
تكمن المهزلة في أنّ لسكيتش شادن الكوميدي طابعاً جدّياً في الإضاءة على مسألة صحّية، في حين أنّ لمذكّرة الجلب الجدّية طابعاً كوميدياً في الإضاءة على مهامّ المحكمة العسكرية في زمن الانهيار ومشاعر مديرية الأمن الداخلي.
بيدَ أنّ السؤال المُفتَرَض طرحه على شادن خلال الاستجواب هو التالي:
كيف يمكن لكوميديّة تحقير مديريّة حقيرة بالأساس؟
وكأنّ قوى الأمن تنتظر نُكتة عن الفوطة الصحيّة لتصبح حقيرة في نظر المواطنين.
قد يكون الجواب في السؤال نفسه، في عبارة «في نظر المواطنين». فالمواطنون، لا سيّما النساء منهم، لم يجدنَ تحقيراً في ما قالته شادن، بقدر ما وجدنَ فيه تعبيراً عن ضائقة طالتهنّ بشكلٍ مُضاعف؛
- خلال فترة الحجر وحظر التجوّل وإمكانيّة وصولهنّ إلى مستلزماتهنّ الصحيّة.
- خلال الأزمة الاقتصادية وعدم دعم الفوَط الصحيّة في المقام الأوّل، ثمّ في أنّ أسعار المستلزمات الصحيّة لفترة الحَيض قد ارتفعت 4 أضعاف على الأقل في الآونة الأخيرة.
في نظر المواطنين، تكمن الحقارة في أن تُترَك بعض النساء لمواجهة مصيرهنّ بمفردهنّ، وفي ابتكار حلولٍ أفضلها مُضرّ. تكمن الحقارة تحديداً في أن تُجبر بعض النساء على الامتناع عن شراء بعض السلع الأساسية بغية تأمين كلفة فوطهنّ الصحية، أو أن يكرّرن استعمال نفس المنتج المخصّص للاستعمال مرّة واحدة، أو أن يستبدلن الفوَط بالمناديل والأقمشة. هذه هي الحقارة، في أن تمرّ أيّام الدورة الشهرية من دون أي مستلزمات صحيّة بالأساس.
وقد يعود السبب في ذلك إلى الأزمة المالية في المقام الأوّل، غير أنّ خلف هذا السبب سبباً سياسيّاً، يتعلّق بذكوريّة هذا النظام وطابعه البطريَركي الذي يرى في الفوطة الصحيّة سلعةً ثانوية، وفي الحديث عنها عيباً.
وإذ أضاءت كوميديّة على هذه المسألة، اتُّهمت بالتحقير.
أفكّر مثلاً، لو أنّ كوميديّاً اتّصل بقوى الأمن الداخلي، وأخبرهم أنّه -في وقت حظر التجوّل- بحاجة ماسّة للخروج من المنزل لشراء واقٍ ذكريّ كي لا يُفوّت نَيكَة المساء، لكان عامل الهاتف في قوى الأمن الداخلي ليضحك بشدّة على هذه النكتة المتفجّرة؛ لا بل، كان ليقول له على الأرجح: ما حاجتك للواقي الذكريّ؟ معليش خلّيها تحبل.
مثيرة للشفقة هذه المديرية، فعلاً.
مثيرة للشفقة، لا سيّما وأنّ مذكّرة الجلب قد صدرت بالتزامن مع تصريح لوزير الداخلية بسّام المولوي، مفاده أنّ 400 عنصرٍ من قوى الأمن الداخلي، بينهم 4 ضبّاط، فرّوا منذ بداية الأزمة الاقتصادية.
لعلّ في استدعاء شادن إذاً ما يُعوّض الانتقاص الذي شعرت به المديرية عند صدور هذا الخبر؟
لكنّ الأهم أنّ في مذكّرة الجلب ما يذكّرنا بجدوى وجود هيئة تُسمّى المحكمة العسكرية، لا تفعل سوى محاكمة المدنيّين. من جهتي، أكثر ما أذكره عن هذه المحكمة هو ملفّات ثلاثة: استدعاء شادن، وتوجيه تهمة الإرهاب والسرقة لـ35 موقوفاً من طرابلس، والادّعاء على شابٍ بحوزته عبوة مولوتوف أمام جمعية المصارف خلال تظاهرات 17 تشرين.
الحقارة إذاً في وجود محكمة كهذه.
على كلٍّ، تمثل شادن أمام القضاء بسبب نكتة، للمرّة الأولى بعد الألف. ففي 7 أيّار الفائت، مثلت شادن أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، وذلك بعدما كان قد استدعاها المكتب أساساً في 9 آذار، قبل أن يُرجئ جلسة الاستماع بعد حملة التضامن الواسعة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعماً لشادن.
وعليه، يبدو تحقير مديريّة الأمن الداخلي كتحقيرِ المُحقَّر، شيئاً على وزن تأكيد المؤكّد. أمّا تحقيرها كتهمة، فتبدو كوميديّة أكثر من شادن نفسها.