تعليق انفجار المرفأ
سامر فرنجية

شمس آب

6 آب 2024

لم نكن كثراً في هذا النهار الحارّ من شهر آب. بضع مئات، ربّما ألف، تجمّعوا تحت شمسه. أقلّ من عدد مَن تأذّى من الانفجار. الطرقات المؤديّة إلى مكان الاعتصام لم تُغلق. فوج مكافحة الشغب لم يكن ظاهرًا. حتّى «هم» لم يخشونا في هذا النهار، ما عادوا يخافون من اتّهامنا لـ«هم»، لم يعد يعنيهم أنّـ«هم» مَن قتل وجرح وشرّد، ومن ثمّ عرقل وهرب من العدالة. كان لشمس آب، هذه السنة، طعم نسيان الجريمة.    

كانت بيروت فارغة هذا الأحد، شوارعها تنتظر الحرب القادمة، هذه الحرب التي باتت تسوّق لها شركات الطيران وبيانات السفارات. لم نكن كثراً في هذا النهار، أقلّ من عدد من سارع إلى المطار في الأيام الأخيرة للرحيل قبل «الضربة». كيف تتذكر انفجاراً وقع قبل أربع سنوات، والحرب عادت إلى البلد؟ وهناك أكثر من 500 قتيل؟ شمس آب هذه السنة تنذر بحرب قادمة. 

الذكرى لم تعد ذكرى الانفجار. تحوّلت مع السنوات إلى ذكرى للذكرى. نتذكر لكي نتأكد أنّنا ما زلنا قادرين على التذكر. ولكن تذكّر ماذا؟ فلم نعد نكرّر ما حدث في ذاك النهار تحت شمس 4 آب 2020. لم نعد نتذكر حقيقة أن معظمنا ما زال على قيد الحياة جراء خطوة ناقصة أو تأخير بسيط أو تغيير طفيف بالعادات. نسينا هذا النهار وشمسه، عندما اكتشفنا فيه مدى هشاشة الحياة. ليس لأن الحياة عادت لصلابتها المألوفة، بل لأنّ الهشاشة باتت القاعدة بعد ذاك النهار. كل شروق للشمس قد يكون الأخير.  

لم نكن كثراً في هذا النهار، تحت شمس آب. فقط «الأهالي» وبعض أصدقائهم، ومَن ما زال يحرّكه الذنب. قد يكون «الأهالي» آخر هويّة سياسيّة ممكنة للقضايا التي تعاني من النسيان الحتميّ. أهالي ضحايا انفجار المرفأ، أهالي مفقودي ومخطوفي الحرب الأهلية، أهالي المفقودين في السجون السورية… الأهالي كالرابط الأخير بين شمسَيْ آب، الجماعة التي لا تستطيع أن تنسى، الجماعة التي لم يبقَ لها إلّا تعداد الشموس التي تفصلنا عن شمس آب 2020. 

لكن رغم كل شيء، كانت هناك حقيقةٌ لن تزول ما دامت هناك شمس في آب. 

في هذا المكان، على ضفة الاتوستراد، مقابل الاهراءات، في هذه الفسحة الخالية من أي ظلّ قد يحمي من شمس آب، هناك نظام ما زلنا نسمّيه «نظام النترات». في هذا المكان، تحت شمس آب، هناك مطلوبون للعدالة، وقاضٍ يحاول أن يحقّق، وضحايا ما زالوا ينتظرون العدالة. في هذا المكان، تحت شمس آب، «المقاومة» التي تنعى شهداءها يوميًا، هي «حزب النترات»، الحزب الذي هدّد وعرقل وأخذ البلاد إلى حافّة الحرب الأهلية من أجل حماية مجرميه. في هذا المكان، تحت شمس آب، لا نتذكر الشهيد فؤاد شكر، بل مسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا الذي اعتبر يومًا ما أنّ صواريخ حزبه تخوّله حكم البلاد بمجرّد زيارة قصر عدل. في هذا المكان، تحت شمس آب، نتذكر أنّنا نصمد بلا خيار، وندعم بما عندنا، ونقاوم إبادة، وندرك أنّنا سوف نعود، بعد انتهائها، إلى «نظام النترات». في هذا المكان، تحت شمس آب، نتذكر أن حروبنا لن تنتهي مع وقف إطلاق النار، مهما علت صيحات الانتصارات الإلهية.

ما دامت هناك شمس في آب، سنكرّر هذا الكلام، حتى يأتي نهار لن نضطرّ فيه لاستذكار شمس آب. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
2,011 شهيداً، 9,535 جريحاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان 
بايدن عن قصف لبنان: لا جواب
حدث اليوم - الجمعة 4 تشرين الأول 2024
أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت
كمائن الجنوب تؤرّق الإسرائيليّين
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 4/10/2024