في أوائل أيّام شهر تشرين، استفاقت المديرية العامة للأمن العام من ثباتها العميق للقيام بواجباتها لحماية الحريات التي نصّ عليها القانون. فأوقفت دوريّة من الأمن العام، مساء السبت، عرضاً لمسرحية طلّابية على خشبة مسرح المدينة، على خلفية انتقاد رئيس الجمهورية والطبقة السياسية الحاكمة.
مجيدةٌ هي هذه اليقظة، إذ تؤكّد أنّ هناك من يأبه بنا، نحن المسرحيّين والمسرحيّات. فقد اعتقدنا أنّنا بتنا من المنسيّين بعدما: أُغلقت مسارحنا طوال سنة ونصف بسبب جائحة كوفيد 19 دون وضع أيّ خطّة لتعويض الخسارات المادية، شُلّت نقاباتنا وقُسّمت في التسعينيات وباتت أبواقًا للسلطة الحاكمة، فُرض علينا قانون رقابة مسبقة على أعمالنا، سُلبت أموالنا من المصارف كحال كلّ المواطنين، دُمّرت منازلنا ومحترفاتنا ومسارحنا في تفجيرالمرفأ، استدنّا لشراء مازوت محتكَر لإضاءة مسارحنا، عجزنا عن تسعير تعرفة بطاقات عروضنا لتغطية تكاليف إنتاجاتنا مع انهيار العملة.
مجيدةٌ هي هذه اليقظة، لأنّه وأخيرًا هناك من بدأ بالإكتراث بنا. فقد علمت المديرية أن هناك عرضًا مسرحيًا طلّابيًا! جميل هو هذا الخبر لأن المديرية ذاتها لم تكن تعلم أنّ هناك أطناناً من نترات الأمونيوم مخزّنة في مرفأ بيروت طوال سنين.
لكن حين جاءها خبر أنّ هناك عرضًا مسرحيًا، فيه شخصية ماريشال نائم ، يخاطب شعبه بجملة ألفتْها أجيال خلال الحرب الأهليّة، وهي يا شعب لبنان العظيم، استيقظت المديرية وأوقفت عرضًا مسرحيًا، ومنعت التلطّي وراء الشعارات لإسقاط القوانين ومفاعيلها، كما جاء بتويتها.
لكنّ ما غاب عن المديريّة هو أننا نحن المسرحيين، وإن مُنعنا من اعتلاء خشبتنا، نجعل من كلّ مساحةٍ عامةٍ مسرحًا لنصرخ بملء أجسامنا بكلّ ما يريدون طمسه. وهذا ما حصل ليلة السبت: لم تتوقّف المسرحية، بل أكمل الفريق عرضه في الشارع أمام المسرح، ليسمع مَن لم يسمع بمسرحية «تنفيسة» للمخرج عوض عوض، أبطالها شابّات وشبّان تمرّدوا على سلطة رقابةٍ تقمع فنّهم، فأعادوا لكلمة مقاومة معناها.
هنيئًا لنا فنانّي وفنانات المسرح في لبنان - مهما كانت جنسيتنا - نحن الذين اخترنا بيروت المظلمة كمساحة حرية لخلق وعرض أعمالنا، هنيئًا لأنّنا بتنا اليوم أخطر من مواد متفجّرة مخزّنة في المرفأ، ومن ميليشيات مسلّحة تتباهى ببطشها على محطّات الوقود، ومن محتكري دواء يكملون ممارساتهم دون أيّ حساب، ومن أسياد حرب مؤتمنين على شعب منذ ثلاثين عامًا بمباركة قانون عفو عام.
فرقة مسرحية طلّابية أيقظت النائم في قصره وأيقظتنا معه.