نبّاشو النفايات
هكذا أعلنت دائرة العلاقات العامة في بلدية مدينة بيروت عن الإنجازات الجديدة لمحافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود. إنجاز بطعم معركة تحرير، حيث نجحت قوة من فوج حرس مدينة بيروت، بحسب البيان، بـ«قمع» و«طرد» من سمّتهم بـ«نبّاشي النفايات»، واستعادت السيطرة على المطمر وتأمين سلامته، ما سيفتح الطريق نحو رفع النفايات المكدّسة في العاصمة.
لكنّ بطولة عبود ليست كافية للتغطية على قذارة هذا الفعل ومَن وراءه. قذارة مَن يحمّل مسؤولية عودة النفايات إلى فقراء ليس لهم إلّا نبش النفايات لكي يستطيعوا العيش. قذارة نظام أجبر الفقراء على التنافس بين بعضهم بعضاً على النفايات. قذارة بلدية ومحافظ نكبوا مدينة قبل أن ينقضّوا على فقرائها.
مطبِّعو التحرّش
هكذا ردّ ميشال جبر على الاتّهامات التي طالته بالتحرّش بطالبات خلال سنوات تدريسه، بعد إعلان إدارة مسرح مونو قطع العلاقة معه. أصبحت ردود فعل «المتّهمين» مملّة بتكرارها: نفي واستنكار، ومن ثم تهديد وتهويل، وبعدها سكوت وشائعات عن إحساس بغُبن لدى المتّهم. وكأنّه لا يمكن لأحد منهم تصوّر أيّ ردّة فعل أخرى، قد تشير إلى بعض الندم أو الاعتذار عمّا تؤكّده عشرات الناجيات.
لكنّ الأنكى قد يكون في ردّة فعل الإعلام الذي أدخل مسألة التحرّش بلعبة «الرأي والرأي الآخر» التي غالبًا ما تنتهي، في واقعنا القانوني والإعلامي والاجتماعي، كتبرير للمتحرّش أو حتى لفعل التحرّش. وقد جاءت اتّهامات جبر في مقال في جريدة النهار، يظهر فيه جبر كضحية لطالبات غوغائيات، وكآخر معقل لعقلانية قضائية في وجه شعبوية منصّات إعلامية وسخط طلّاب راسبين.
البحث عن الطائفة
هكذا نصح سعد الحريري نوّابه، متمنّيًا عليهم عدم خوض المعركة الانتخابية القادمة، مؤكدًا أنّ «منزله سيبقى مفتوحًا» قبل أن يعود إلى مكان إقامته في الإمارات. جاءت النصيحة خلال زيارة للحريري إلى بيروت بمناسبة ذكرى استشهاد والده، ذكرى تحوّلت مع مرور السنوات من مناسبة جامعة إلى واجب عائلي، بالكاد تلبّيه العائلة. لا أحد مضطر أن يأكل مسبات، هذا ما فهمه الحريري بعد 17 سنة من التجربة السياسية في لبنان.
لن يخلف الحريري أحد، لا نادي رؤساء الحكومات السابقين ولا لقاء تشاوري ولا شريك عسكر ميانمار. فما خلفه هو «الطائفة السنية»، هذا الجسم المبهم المعالم، الذي تحوّل إلى عنوان ترشّح كل طامح لمقعد عائد لهذه الطائفة. ففي أعقاب انهيار تيار المستقبل، يتمّ إعادة خلق «الطائفة السنية» كالطائفة التي تبحث عن تمثيلها، المكوّن اللبناني الأخير الفاقد لزعيمه، وكأنّ مظلوميّة هذه الطائفة أنّها ليست طائفة، أنّها لم تقبل أنّه من الأفضل ربّما أن تكون الطائفة المش مضطرّة أن تاكل مسبات…
لم ينتهِ النهار بعد، ولكن لم يعد هناك كلمات متبقية لاستكمال سرد أخبار هذا النهار. ربّما كان من الممكن استعمال الخيال لخلط هذه الصور ببعضها بعضاً في محاولة للبحث عن رواية أخرى للواقع: تصوُّر مطمر لمطبّعي التحرّش، أو عمّال ونبّاشي النفايات يستعيدون السيطرة على الداون التاون وبلدية بيروت، أو طوائف تمتثل بالطائفة السنية وتعلن أنّها سئمت أكل المسبّات…
لكن، كما قال رئيس وزرائنا، «بدنا نتحمّل بعض».