في أولوية أكثر من النواب؟ صار ميت منن 2 ومنصاب أكتر من 25.
في معرض دفاعه عن سرقته للّقاح، لم يجد «النائب» إيلي الفرزلي إلا «المسكنة» بدايةً ليبرّر فعلته هذه. «النواب» بخطر، يتساقطون واحداً تلو الآخر، وهم منهمكون في عملهم التشريعي لإنقاذ البلد من الانهيار. فهل هناك أولية أكثر من الدفاع عن بقاء هذه الحفنة من الرجال قيد الحياة؟ تخيّلوا للحظة ما كان جرى لو التقط الفرزلي فيروس الكورونا. فهل يحتمل لبنان أن تعلو حرارة نائب رئيس مجلس النوّاب لبضعة أيام؟
وبمسكنة لا تليق بأناقة حصانته النيابية، صرّح «النائب» الملقّح غازي زعيتر أن النواب متلن متل بقية الناس، قبل أن يتشردق غضبًا مش بشر ومش من الشعب نحنا؟ للمفارقة، «بقية الناس» لم يصلها اللقاح بعد، كما أنّها ليست متّهمة بتفجير مرفأ بيروت أو مسؤولة عن تعطيل التحقيق به. ولكن لنضع جانبًا تلك الفروقات البسيطة. زعيتر متلو متل باقي الناس.
لم يكن مستغربًا أن تسرق حفنة من لصوص المجلس جرعات من اللقاح. لكان مستغربًا لو لم تفعل ذلك. ولكن رغم أن هذه السرقة متوقعة، كان لها طعم خاص أو رمزية خاصة. كأن وقاحة الفعل وعلنيته وتبريره باتت أكثر وطأة من السرقة بحدّ ذاتها. كأن المطلوب لم يكن تلقيح بعض مومياءات المجلس، بل التأكيد على «الأولية»، أولية هذه الطبقة على الجميع، بالصغيرة والكبيرة.
بيد أنّ فئران المجلس لم ينتبهوا أنّ تلك الجرعات مدفوعة من قبل مؤسسات دولية، لكونهم قد سبق أن نهبوا البلد. من يتسوّل اللقاح، لا يمكن له التبكبُك على السيادة والعنفوان الوطني. ولكن الوقاحة لم تردعهم. ففي وجه انتقادات مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جيها، استنفر محب الآثار مجهولة المصدر جواد عدرا، مستعينًا بتاريخ من محاربة الإمبريالية، ليغرّد وهو منتصب القامة نحن من يحاسب لا الأجنبي. ربّما، ولكن الأجنبي هو من دفع ثمن لقاح أصدقائه النواب، وهو نفسه الأجنبي الذي لم يجد الفرزلي، زلمة المخابرات السورية، إلّا أن يهاجمه بعنصرية من انفضح كلص رخيص، قبل أن ينهار بعد ما يقارب الـ48 ساعة من الحصول على اللقاح المسروق.
تصريحات البنك الدولي، حسب عدرا، تحمل تهديدًا واحتقارًا لرموز السلطة في هذا البلد واستطرادًا لنا جميعًا. لنا جميعًا؟ استطرادًا؟ الاستطراد الوحيد هنا قد يكون استطراده المنزلي، حيث لسبب يجهله الجميع باتت وزيرة الدفاع زينه عكر عدرا محرّك النظام الدولي. السيادة لعدرا هي سيادة صالون بيته على القرارت الوطنية.
تبدو السيادة عنوان المرحلة القادمة والمفهوم المرشّح إلى أن يتبهدل في الأسابيع القادمة على يد سياسيّي لبنان، مع تصاعد مطالب التدويل. وليس من دليل إلى بهدلة المفاهيم إلّا عندما يستحوذ عليها وزير الصحة، المصرّ بأن يتحدّث عن نفسه بصيغة الغائب. فبرّر في حديث تلفزيوني سرقة اللقاح بأنّها قرار سيادي اتّخذه تقديراً لجهود النواب لكونهم اجتمعوا خلال 7 ايام بشكل متتالٍ. فلا بد من مكافأتهم للقيام بعملهم. ما بدا هالقد، أكّد وزير الـ«لا داعي للهلع».
وبعد نهار طويل من الانهيارات المتلفزة، تدخّل «عاقل الجمهورية» جميل السيّد، ليعيد تصويب الأمور. ففي تغريدة له، أقرّ أن غضب البنك الدولي مُبَرَّر لكن موقفه مُهين. وزّع المسؤوليات بعقلانية وتروٍّ، فهو رجل دولة ونظام. وعاتب البنك الدولي، خاصة أنّه مرجعية دولية يفترض أن تحترم حقوق الإنسان. والشهادة هنا آتية من خبير في تلك الحقوق، وهو الذي دعا إلى إطلاق النار على المتظاهرين من الشبابيك منذ بضعة أشهر. هذا إذا وضعنا جانبًا أنّه المهندس الأصلي لنظامنا البوليسي.
لكن كلام العاقل لم يفِد، فجاء بهلوان الجمهورية المنهارة ومزحها السمج ليحاول أن ينسي الناس هذه الفضيحة. فغرّد وئام وهّاب: هذا هو لبنان كل يوم قضية يتلهون بها وبلدنا أصبح في طيز (مع اعتذاري) الكوكب. ربّما يدرك تماماً شيخ الشباب أن الدليل الأساسي لكون لبنان في «طيز الكوكب» هو أنّه ما زال يصرّح بالسياسة.
وفي زاوية من «طيز الكوكب»، كان هناك نواب «الثورة القوتجية» يتلقّون اللقاح على السكت مع زملائهم، قبل أن يعودوا مجدّدًا إلي ساحات الثورة، ملقّحين. لكنّهم للأمانة، لم يكن لهم أي معرفة بما حصل ولا باللقاح ولا بالكورونا ولا بالبنك الدولي ولا بالمنصّة. هم الثورة، الثورة الملقَّحة، ثورة تستفيد من اللقاح المسروق ومن ثم تحاول أن تسرق الثورة.
اسرقوا اللقاح. هذا متوقّع. لكن اسرقوا بصمت. كالفئران.