الثنائي بين متطلّبات الداخل والخارج
افترس المحلّلون الخبر، بعد فترة من الركود السياسي كانت قد عطّلتهم عن العمل. فانفجرت التحاليل لكي ترسم المعالم السياسية للخبر المفاجئ، مؤطّرةً إياه ضمن حدود السياسة اللبنانية المعتادة.
البداية، مع مصدر القرار.
حدّد العائدون إلى الحكومة أسباب قرارهم بمسائل داخلية، مرتبطة بـالوضع المعيشي وضرورة العمل الحكومي لحلّ المشاكل الاجتماعية. وجاء هذا الاقتناع بضرورة مسايرة فكرة انهيار البلاد، مرفقًا بتصاعد الخلافات ضمن المحور الواحد، خاصة بعد ازدياد التوترات حول وثيقة التفاهم مع الحليف المسيحي، ممّا فرض خيار العودة المشروطة، كمحاولة لامتصاص الخلافات ورفع مسؤولية التعطيل عن الثنائي.
لكن مهما حاول الثنائي «لبننة» قراراته، فهو يبقى مجرّد انعكاس لمنطق إقليمي في أعين معارضيه. فتزامن قرار العودة مع تلطيف في الأجواء الإقليمية، من مفاوضات ڤيينا إلى مبادرات وقف إطلاق النار في اليمن وصولًا إلى عودة الزيارات الإيرانية-السعودية. ويأتي هذا التزامن لكي يدعّم نظرية ارتهان الحزب لمحوره، حتى على حساب الداخل الذي ينتمي إليه.
الثنائي بين حسابات الربح والخسارة
التحاليل مدخل للإجابة عن سؤال آخر أصبح أقرب إلى هوس السياسة اللبنانية، وهو سؤال عن تفوّق حزب الله وإمكانية تراجعه أمام الضغط، أكان داخليًا أم خارجيًا.
فيبدو قرار التراجع عن المقاطعة نكسةً لحزب الله الذي سبق أن ربط عودة الثنائي بتلبية شروطه، ومن بينها حلّ «مشكلة» المحقّق العدلي في قضية انفجار المرفأ. فلم ينجح الثنائي بفرض استقالة بيطار، كما لم يستطع منع استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي. وتأتي هذه الانتكاسة مع تصاعد الحملة على حزب الله وتحميله مسؤولية تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وهي حملة بات يشارك بها أقرب المتفاهمين معه وجزء من جمهوره.
لكنّ التراجع عن القرار لا يعني بالضرورة خسارةً أو رضوخاً. ففي قضية التحقيق، تمّ عمليًا كفّ يد القاضي بيطار مع فقدان نصاب محكمة التمييز، وبالتالي وقف التحقيق واستحالة إصدار قرار ظنّي. كما أنّ العودة المشروطة والمحدودة إلى مجلس الوزراء تترك الباب مفتوحًا أمام تصعيد مستقبلي، حسب الحاجة، وتبقي ملفات أخرى، كـالتعيينات الإدارية، عالقة في انتظار تفاوض ما.
انتصار الصورة على الواقع
قد لا يغيّر قرار العودة إلى مجلس الوزراء الكثير في السياسة الداخلية. فأسباب الاعتكاف ومن ثمّ العودة هي أقلّ أهمية من قدرة حزب الله وحلفائه على استعمال هذا السلاح، أو على الأقلّ التلويح به. فهي ليست المرّة الأولى التي يلجأ بها هذا الحلف إلى سلاح التعطيل، ومن المتوقّع ألّا تكون الأخيرة. فبعيدًا عن أجواء الابتهاج التي رافقت «عودة البطل» إلى حكومته، ما لم تلحظه أجواء الفرح العارمة هو أنّ هناك من عطّل عملاً حكومياً في أسوأ مرحلة من تاريخ لبنان، لكي يبتزّ خصومه الداخليين والخارجيين بحياة الناس، وكأنّهم مجرّد رهائن ببازار سياسي، لم يعد يهمّ إلّا جوقة المحلّلين السياسيين.
لكنّ السبب الأساسي لعدم إعطاء هذا القرار الكثير من الأهمية، هو أنّه قد لا يكون هناك فارق كبير في حالة البلاد بوجود أو عدم وجود حكومة تجتمع. وهنا مصدر الخوف الأساسي في هذا الخبر. فحجم الانهيار وفشل الطبقة الحاكمة في تقديم أي رؤية، خارج ألاعيب المراسيم والتلاعب بالأرقام، لا يدفع إلى التفاؤل جراء خبر اجتماع الحكومة مكتملةً. اجتماع الحكومة رسالة، لمن ما زال تهمّه الرسائل المرسلة من لبنان.
الخبر، إن عنى شيئًا، فهو أنّ السياسة اللبنانية باتت صوريّة، مجرّد إشارات ورسائل لمضمون غير موجود.