أطلّ علينا رئيس الحكومة اليوم لتحديث نسبة تحقيق الوعود والإنجازات التي ارتفعت من 57٪ إلى 97٪ عند إكماله وحكومته 100 يوم، وهو تقدّم أنجزته الحكومة في غضون شهر ونصف فقط. ومن ضمن هذه الإنجازات إكمال عمليّة العسكرة في مكافحة الوباء والتظاهرات والنقد والصحافة.
لم يشأ البروفيسور أن تمرّ هذه المناسبة دون بسط ريشه إعلاميّاً وتهنئة نفسه في مقال عبّر عن جهوده الجبّارة في مواجهة الانهيار المالي والاقتصادي، وفي خلق شبكات أمان اجتماعية لم نكن نعلم بها لولا المقال، رغم متابعتنا الشيّقة لمقياس نسبة إنجازات حكومة الجزمة والتكنوقراط.
وخلال انشغال الخبراء في التصفيق لإنجازاتهم وانكبابهم على تجاهل الأزمات التي ادّعوا أنّهم حقّقوا إنجازات باهرة في حلّها، وقع الكثير من الأحداث التي لم تستدعِ اهتمامهم أو بياناً واحداً منهم.
بعد انتشار مقطع مصوّر من مستشفى دار الشفاء في طرابلس يُظهِر جنديَّين يتهجمّان على طبيب في قسم الطوارئ رفض السماح لهما بالتحقيق مع مريض مصاب بطلق ناريّ قبل معالجته، بات واضحاً من صمت الحكومة والبروفيسور أنّ وعده للجيش بحمايته وتغطيته لم يكن مجرّد كلام عابر. وهذا لا يعني سوى تواطؤ رئيس الحكومة الآتي من خارج النادي السياسي مع العسكر لترسيخ ثقافة الرضوخ واحترام المؤسّسات التي تقمع وتقتل وتجعلنا في الوقت نفسه نتوق إلى الدعسة الأخرى من جزمتها.
ما أن حصلت الحادثة حتى بدأت التبريرات وحتّى المطالبة بتخطّي ما حصل كحادث عابر وفرديّ. ولم يخلُ الأمر من الشماتة بكلّ مَن يقع ضحيّة هذه «الإشكالات الفردية» ولومهم من منطلق الإيمان بقدسيّة الجيش واعتباره معصوماً بجوهره عن تعمّد ارتكاب الخطأ. فكيف الحال إذا كان الضحيّة ينتمي أيضاً إلى مؤسّسة أخرى هي بدورها مبجّلة في المجتمع ومقدّسة مثل الطبّ؟ أيّ جانب سيختار الناس في هذه الحالة؟
لا يعود هذا السؤال مهمّاً عندما تأخذ إحدى المؤسّستين جانب المؤسّسة الأخرى. فلم تقم نقابة الأطبّاء، وهي التي تمثّل التكنوقراط الذين لا يأخذون نصيبهم من النقد، بأخذ جانب الجيش فحسب، بل لم تعذّب نفسها في بيانها بدعم الطبيب وكادت تنسخ بيان الجيش كما هو دون أن تتناسى صيحة الهاشتاغ عن احترام الجيش وتذكيرنا بالبقاء في الحجر.
في الواقع، تبدو مطالبة المؤسّسة العسكريّة وقيادتها بتبرير الحوادث الفردية المتكرّرة غير مجدٍ كون المؤسّسة نفسها مبنيّة على مبدأ استخدام القوّة المفرطة التي يشرّعها الدعم الشعبي والمجتمعي. فمنذ الصغر، يعلّمنا المجتمع وقوانينه أنّ هناك مقدّسات بشرية بالإضافة إلى المقدّسات الدينية، هي تلك التي نظنّ أنّها أنقى من أن تلطّخ نفسها بالسياسة بفضل رسالتها الإنسانية والحيادية عن الصراعات والقرارات السياسية.
يُعزَّز هذا الخطاب الإنساني حول هذه المؤسّسات من خلال تصوير الانتهاكات الحاصلة كأعمال فردية لا تمثّل المؤسّسة، ويعاب علينا تجرّؤنا على إبداء ردّة الفعل، ونُتَّهَم بالمبالغة والتآمر لتشويه صورة هذه المؤسّسات.
ولكن عندما تتكرّر هذه الأفعال الفردية دون محاسبة أو تحقيق شفّاف أو حتّى بيان استنكار يحترم الضحية وحجم الاعتداء، هل تتوقّع منّا المؤسّسة أن نجلد نفسنا عند التفكير باحتمال أن يكون مجموع هذه الأفعال الفردية غيرَ فرديّ؟
وماذا عندما تتبنّى المؤسّسة أفعالاً مشابهة وتبرّرها كضرورة لحفظ «الأمن القومي»، مثل إقدامها على قتل لاجئين أبرياء اتّهمتهم بالإرهاب منذ ثلاث سنوات دون أيّ دليل، ثمّ برّرت قتلهم مستنسخةً خطاب «الحرب على الإرهاب» كما يفعل الجيش الأميركي نفسه الذي تتّهمنا السلطة بالتآمر معه على زعزعة استقرار البلاد. أضف إلى ذلك الاستدعاءات غير القانونية لمدنّيين وصحافيين تقوم بها مديريّة المخابرات، وجريمة قتل فوّاز السمّان التي لم نسمع حتّى اليوم عن نتائج التحقيق فيها.
إذا كان 97٪ من إنجازات الحكومة يتضمّن التهديدات المتواصلة لوزير الداخليّة والتغطيات على القتل بالجزمة العسكرية، وهو ما يضاف إلى الحلول غير الموجودة للأزمة الاقتصاديّة، فهنيئاً لنا اقترابنا من الوصول إلى 100٪ من نجاح حكومة خبراء الجزمة.