تعليق ثورة تشرين
فادي بردويل

غضب الأهالي

18 كانون الأول 2019

ورقة «غضب الأهالي» ربّيحة. ولهذا الغضب سيناريو رسمي: شتيمة من هنا، تعرُّض للمقامات من هناك، يُستفَزّ الشباب، يفور دمهم، يخرجون عن طورهم، فيجرّهم الجرح الذي تسبّبت به الشتيمة إلى أعمال عنف متعدّدة لا يتحمّلون مسؤوليتها كلياً، ذلك أنّ البادي أظلم. يتمّ كلّ ذلك وسط تكرار وسائل الإعلام الرسمية دعوات أحزاب السلطة، وليّة أمر الأهالي، مناصريها إلى التهدئة. فهي أيضاً لا تتحمّل مسؤولية تكسير الخيم وضرب الثوّار ورشق القوى الأمنية بالحجارة. كلّ ذلك مجرّد ردّ فعل، عنيف بعض الشيء، ولكنه يبقى ردّ فعل؛ فللصبر حدود، مع التأكيد الدائم على درء الفتنة ووأدها وعدم الانجرار إليها.

كلّ هذا جيّد، لكنّ الرواية الرسمية تطمس الوظائف المتعدّدة لـ«غضب الأهالي»:

أوّلاً، ترهيب الثوّار وتدمير خيمهم. تمّ الهجوم على الخيم في بيروت وصيدا والنبطية والفاكهة بعد تسريب فيديو شتائم مسيء للمعتقدات الدينية. لا يفيد كثيراً التركيز على أن لا علاقة لاعتصامات الثوّار وخطابهم الوطني بفيديو الصيداوي. المسألة ليست هنا. المسألة ببساطة أن حزب الله- أمل منذ الهجوم على الخيم في 29 تشرين الأول يريدون إرساء معادلة أنكم لستم آمنين في خيمكم، وباستطاعتنا النيل منكم متى شئنا. فالترهيب الدوري لبلطجية أركان النظام، يراهن على كسر عزيمة المنتفضين تمهيداً لخنق الثورة.

ثانياً، إرهاق القوى الأمنية والجيش. ساعات من إرهاق القوى الأمنية والجيش، تخلّلها إحراق السيارات ورمي الحجارة ومحاولات كرّ وفرّ متعددة. وقد تؤدّي مثل هذه المواجهات إلى توريط القوى الأمنية من خلال تصعيد الاشتباكات، وربما وقوع ضحايا يُستثمر لاحقاً. فعلى عكس قمع القوى الأمنية للثوار- المواطنين الذين لا سند لهم، فإنّ لتوريط تلك القوى مع مناصري أحزاب السلطة عواقب داخل نظام المحاصصة وداخل المؤسسات الأمنية نفسها.

ثالثاً، تخفيف احتقان جماهير أحزاب السلطة. تلك الجماهير التي تعاني كما كلّ اللبنانيين من الانهيار المالي والتي مُنعت من الاعتصام، في وقت خفّت فيه عطايا مؤسساتها وقدرتها على إعادة توزيع غنائمها. فيشكل العنف في الشارع متنفساً لضغط اجتماعي خانق يساهم بإعادة إنتاج زعامة ولي الأمر الذي يتيح لمناصريه هامش مناورة عنفية لا يطالها القانون.

رابعاً، تقويض خطاب الثورة على النظام. ذاك الخطاب الذي بدأ بإعادة صياغة هوية وطنية عابرة للولاءات الطائفية والمحلية، في ظلّ محاولات السلطة لفعل المستحيل لإعادة إرساء الانقسام على أسس مذهبية ومناطقية. ليس صدفة أن يكون الفيديو قد سرِّب بعيد مجيء ثوّار من طرابلس وعكار لدعم رفاقهم في بيروت مؤخراً، والهلع الذي انتاب وسائل الإعلام من جراء ذلك، فبدأت تعمل كمفرزة استقصاء تلاحق سجلات نفوس من تواجد في الساحات. جاء الفيديو ردّاً سريعاً ليكسر صورة «طرابلس عروس الثورة» ويعيد تأطيرها طائفياً كمدينة سنيّة (وسلفية) تصدّر تسجيلات تشتم الشيعة. فبعدما لوّح ثنائي السلطة بإغراق الثورة بالانقسامات الطائفية- المناطقية للحرب الأهلية (شياح -عين الرمانة، تباريس-خندق، ما بين 24 و26 تشرين الثاني) تقفز استراتيجيات السلطة بضعة عقود إلى الأمام لتلوّح بورقة الانقسام السنّي- الشيعي.

خامساً، استعادة النظام زمام المبادرة. تُرمى كُرات النار على الثوار، وهي كراتٌ لا مفرّ من محاولة إطفائها قبل استئناف الضغط على النظام. تقوم تلك الاستراتيجيات التي تسعى إلى إعادة إرساء السياسة على أسُس أهلية، باستنزاف طاقة هائلة من قبل الثوار لاستيعابها وإعادة تصويب التحرّكات باتجاه النظام الذي أذلّ اللبنانيين وأفقرهم. فبعد التلويح بالحرب الأهلية، جُيِّرت التحرّكات نحو رفضها. وبعد فيديو الشتائم، تبرّأت عائلة الصيداوي من ابنها، ووصل عضو من بلدية طرابلس إلى الخندق الغميق لإبعاد الشبهات عن المدينة، وتكلّم مشايخ من دار الإفتاء على وسائل الاعلام واجتمع غيرهم مع إمام مسجد الخندق، واضطرت مدينة الثورة إلى تنظيم مسيرة بعنوان «طرابلس ضدّ الطائفية». ناهيك بوسائل الإعلام الرسمية التي نسيت الثورة والمصارف ورفعت الشاتم وفيديواته إلى مصاف حدث اليوم، فأصبحت اختصاصية بروتين حياته اليومية، شاجبةً من عليائها الاخلاقية تسكّعه في حانات أثينا برفقة «بنات السوء/ق».


يحصل ذلك فيما تتواصل حملات الترهيب على بعض المعارضين لثنائية أمل-حزب الله، وقد طاولت مؤخراً الكاتب والناشر لقمان سليم الذي خُوِّن وألصقت منشورات على باب دارته كتب على إحداها: «المجد لكاتم الصوت». ليس غضب الأهالي إلّا وجهاً من أوجه السلطان الكثيرة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
نتنياهو يهدّد المحكمة الجنائية وكل من يتعاون معها
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
21-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
25 شهيداً في عدوان يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024
3,583 شهيداً، 15,244 مصاباً
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 21/11/2024
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة