عازمينّي على كاس ويسكي
هكذا فسّر رئيس جمعية المصارف سليم صفير مشاركته، إلى جانب حاكم مصرف لبنان، في جلسة مجلس الوزراء في السراي. موضوع الجلسة هو المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والصراع حول أرقام الخسائر في المصارف. لكن رغم الخلافات بين المصارف والحكومة، رئيس الجمعية مرتاح على وضعه وعلى خسائر قطاعه. فهو ذاهب إلى الاجتماع ممازحًا وواثقًا بأنّ جمعيته باقية والحكومة ستزول ومعها خسائر قطاعه.
المصاري بتروح وبتجي... هيك بدّن بهالبلد
هكذا فسّر أحد المواطنين سرقته لصيدلية تحت تهديد السلاح. وبحسب الخبر، أقدم مواطن على سرقة مبلغ من المال وحفاضات وشامبو للأطفال وأنواع محدّدة من الأدوية. لم يكن هدف السرقة الحصول على المال، فـ«المصاري بتروح وبتجي»، كما قال المواطن السارق. كان هدف عملية السطو مجرّد البقاء قيد الحياة وتأمين بعض الحفاضات لطفل أو طفلة أو أكثر. المواطن أيضًا مرتاح، فلم يعد لديه ما يخسره بعد اليوم. لن تُعاد هيكلة خسائره، ولن يعوّض له أحد تدمير حياته. لم يبقَ له إلّا أن يسرق الحفاضات والأدوية.
على الأرجح، لا يعرف رجل المصارف ورجل الحفاضات واحدهما الآخر، وإن كانا قد أدليا بتصريحَيْهما في اللحظة ذاتها.
لا يعرف واحدهما الآخر، لكنّ مصيرهما بات مشتركًا. فرجل المصارف ورجل الحفاضات مرتبطان كوجهَيْن متقابليْن للانهيار الراهن.
فسياسات رجل المصارف هي سبب إقدام رجل الحفاضات على السرقة. وتحايُل رجل المصارف على خسائر قطاعه هي سبب خسائر رجل الحفاضات لقدرته على الحياة. ومشاركة رجل المصارف في اجتماع الحكومة هي سبب عدم بقاء أي خيار أمام رجل الحفاضات إلّا مسدّسه. وكاس ويسكي رجل المصارف هو سبب انقطاع الأدوية أمام رجل الحفاضات.
على الأرجح، لا يعرف الرجلان واحدهما الآخر، ولكنّهما باتا متشابهَيْن. فلم يعد يخيفهما قول الأمور كما هي. رجل المصارف واثق بموقعه، ويمكنه أن يمزح بخصوص تدخّله في شؤون الدولة وإدارتها. ورجل الحفاضات لم يعد يكترث بأفعاله لكونه لم يعد يمتلك أيّ خيار آخر. فهِمَ أنّ «المصاري بتروح وبتجي»، فهكذا يعمل القطاع المصرفي: الأرباح بتروح وبتجي، الخسائر بتروح وبتجي، والودائع أيضاً بتروح وبتجي...
المفارقة هي أنّ ما من حكومة ستعزم رجل الحفاضات على كأس ويسكي، فقرّر أن يعزم نفسه على حفاضات وأدوية. لم يعزم أحدٌ رجل المصارف أيضًا، ولكنّه لا يحتاج إلى عزيمة، فالبيت بيته.
على الأرجح، لا يعرف الرجلان واحدهما الآخر، ولكنّ أفعالهما باتت مرتبطة ببعضها بعضاً. فنهب المصارف قضى على الشروط المادية للبقاء، ومعها على أي معيار أخلاقيّ يمكن أن يحاكم أفعال المواطن. فتحوّلت المصارف إلى أحد أسباب تفتُّت المجتمع. من بين شقوق هذا المجتمع، صعد المواطن السارق، ليس كرمز لأيّ عنف ثوريّ، بل كمجرّد محاولة للبقاء. ما من معادلة، ولكن ثمّة تشابه، تشابه ما بات مرتبطًا بصراع البقاء.
على الأرجح، لا يعرف الرجلان واحدهما الآخر، وعلى الأرجح لن يلتقيا في المستقبل القريب. فهما ينتميان إلى عالمَيْن مختلفَيْن، متناقضين، متصارعين.
وفي المساحة التي تربط بينهما، سوف يُعتبَر المواطن سارقًا وخارجًا عن القانون لمجرّد سرقته للحفاضات، ولكنّ رئيس جمعية المصارف سيبقى رجلًا محترمًا، مهما نهب ورفاقه حفاضات العالم.
يومًا ما، قد يعزم رجُل المصارف رجلَ الحفاضات إلى كأس ويسكي لمحاولة إسكاته. لكن هل وصلنا إلى اليوم الذي سيرفع رجلُ الحفاضات مسدّسه في وجه رجل المصارف وجمعيّته؟ ربّما عندما يحدث ذلك، لن يعود أحدٌ مضطرًّا إلى سرقة حفاضات لأنّ حفنةً من المصارف سرقت الودائع.