16 تشرين. اليوم الذي لم نُرِد العودة إليه. الـ«ما قبل 17 تشرين» في شعار الـ«لا عودة إلى ما قبل 17 تشرين».
في 16 تشرين 2019، كان لبنان يحترق. في 16 تشرين 2020، لبنان ما زال يحترق.
في 16 تشرين 2019، كان رياض سلامة مطمئنًا، يخبرنا أن الأزمة لن تقع. في 16 تشرين 2020، ما زال رياض سلامة مطمئنًا، يخبرنا أن الأزمة باتت وراءنا.
في 16 تشرين 2019، كان الثنائي الشيعي يطالب بتفاوض لبنان مع النظام السوري. في 16 تشرين 2020، أصبح الثنائي الوطني الآن يبرر التفاوض مع إسرائيل.
في 16 تشرين 2019، اعتبر باسيل أن الأزمة الاقتصادية مؤامرة ضد العهد. في 16 تشرين 2020، ما زال باسيل يعتبر أن الأزمة الاقتصادية مؤامرة ضد العهد، كما انفجار المرفأ وسد بسري والمظاهرات…
في 16 تشرين 2019، كان سعد الحريري رئيساً للحكومة، سقط بعد أسبوعين من التظاهر. في 16 تشرين 2020، ما زال الحريري مرشح النظام لرئاسة الحكومة.
يريد النظام أن يخبرنا أننا لم نغيّر شيئاً. لا بل زدنا الوضع سوءاً. يريد لنا أن ننظر إلى المشهد في 16 تشرين 2020 ولا نرى إلّا صورة 16 تشرين 2019. فهم النظام أهمية الصورة، ولو كانت مزيفة، أو بالأحرى لأنّها مزيفة.
لكنّ 16 تشرين 2019 ليس 16 تشرين 2020. وبين التاريخين، دهر. بين التاريخين، هناك 17 تشرين. هناك شوارع سالت فيها الدموع. هناك أيادٍ إشتبك بعضها ببعض في الساحات. هناك صرخات خوف تحوّلت إلى هتافات فرح قبل أن يأكلها الغضب. هناك شهداء لا تزال أسماؤهم تسكن الساحات. هناك 4 آب.
يدرك النظام ذلك. ولهذا، يريد أن يقنعنا بأننا أضعنا وقتنا في الشارع، وأنّ بين 16 تشرين 2019 و16 تشرين 2020، لم يحدث شيء. تماماً كما حذّرنا حسن نصرالله في أول أيام الثورة. ولكنّنا لم نستمع. والوقت الذي أمضيناه في الشارع فضح الصورة كما هي، صورة مزيفة، مفضوحة للجميع.
قد يكون الحريري زعيمًا في السراي، ولكنه بات مزحة ثقيلة في ساحة النور. قد يُهتَف في الجنوب «لبّيك نصر الله»، ولكنّ صورة حرق خيم الثورة في صور وكفرمان لا تزال محفوظة في ذاكرتنا. قد يسمّع باسيل الخطاب نفسه في 13 تشرين، ولكنّ شبح الهلاهو سيطارده ولو وصل إلى الرئاسة. أما الرئيس، فعندما سيتذكر التاريخ عهده، ستكون صورته مشهد 17 تشرين.
لقد ربحنا معركة الخطاب. وفضحنا المشهد لما هو عليه، صورة مزيّفة عالقة في 16 تشرين.
ربّما لم تحقّق الثورة أهدافها. فهي ليست لائحة أهداف، نكتبها على ورقة ونشطبها بعد أن تنفذ لكي ننصرف إلى أهدافٍ أخرى. الثورة نضالٌ مستمر، يومي، لا يهلك من محاربة الوحش متعدّد الرؤوس. وحققنا في هذه السنة انتصارات على هذا الوحش، من سد بسري إلى انتخابات نقابة المحامين والجامعة اللبنانية الأميركية، وصولًا إلى تعليق المشانق في الساحات.
حققنا انتصارات، ولكن تعلمنا أيضًا أنّه لن يكفي الرهان على الكوارث، فهي صديقة النظام. تعلمنا أن البواخر التي كنا نلوّح لها من المراسي قد تكون محمّلة بالموت. تعملنا أن الأكل قد يكون مطعّماً بالموت. تعلمنا أن حساباتنا المصرفية لن تكون لنا. تعلمنا بعد 4 آب أن النظام قد يقتلنا في أي يوم. تعلمنا أننا عالقون في كابوس وأن المخرج الوحيد هو أن نعمل معا لنقطع رؤوس هذا الوحش. لا أعرف كيف. ولكن علينا أن نحاربه كل يوم.
دورة الأرض حول الشمس لمدة سنة لن تعني شيئاً. وتاريخ 17 تشرين لم يكن يعني شيئاً قبل أن نحوّله نحن إلى يوم مفصلي. فلم نكن ندرك، في 16 تشرين، أن ساعات قليلة تفصلنا عن هذا اليوم، حيث الملك لن يعود قادرًا على أن يسير عارياً بين الناس. لو استطاع النظام أن يتحكّم بالزمن، لكان أوقفه في 16 تشرين. ولكن الشمس غابت يومها، كالعادة، وشرقت مجدداً في 17 تشرين، كالعادة، وها هو الملك إليوم، مختبئ خلف الجدران والعسكر والمبادرات، يغطي أذنيه مرتعباً لكي لا يسمع أصواتنا تصيح: «الملك عار، اقطعوا رأس الملك.»